علي حسن الفواز
الحديث عن النجاح السياسي، يمكن ان يكون مدخلا للحديث عن النجاح الثقافي، وعن اعادة النظر بملفاته الواسعة، ليس ليكون داعما للخطاب السياسي، بل لكي يكون  مصدر القوة الواعية التي تعزز المسار، وتُنضّج عوامل التغيير، وعلى المستويات كافة، فالثقافة تعني التعليم والتنمية والمعرفة والعلم والادارة والحداثة، مثلما تعني الوعي بمسؤوليات التخطيط والتنظيم والتمكين والنظر الى المستقبل..

نجاح مؤتمر التعاون والشراكة في بغداد أكد حقيقة الحاجة الى التواصل، والى استثمار هذا النجاح ليكون رافدا للمستقبل، وللثقة بقدراتنا الوطنية والقيمية، بعيدا عن ذاكرة المحنة التي عاشها العراق منذ عقود، بين الحروب والأزمات والصراعات الأهلية، وبين الاستبداد والارهاب والخوف والفساد، وجميع هذه المظاهر ترتبط بمرجعيات ثقافية، وبالظروف التي صنعتها، ووضعت مفاهيم مثل الحرية والهوية والعدالة والتنوع والتعايش والقبول بالاخر والحوار خارج الاستعمال، بل إنها كانت جزءا من الاسباب التي وظفتها الجماعات الارهابية لنشر نزعات التكفير والكراهية والارهاب وطرد الآخر..

ماتحقق في المؤتمر يعكس مدى اهمية تنظيم الادارة السياسية، بما فيها الادارة الدبلوماسية والامنية، والتي ستكون مصدر اثراء لخيارات أخرى، على المستوى الاقتصادي، والبحث عن السبل الناجعة لادارة الثروة، وتعظيم مصادرها، والتخلّص من اعباء تركة الريع النفطي، والاقتصاد الواحدي، وهي مجال ليس صعبا إنْ توفرت الارادة، والقدرة مع التخطيط الجيد، واعادة تنظيم هياكل البنى الاقتصادية، بما فيها الاقتصاد الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والاتصالي وغيرها، واحسب أن تتويج هذا النجاح سيكون قرينا بالنجاح الثقافي، أي استعادة العراق الحضاري، ووضعه في سياقه التاريخي، وجعل متاحفه قبلة للعالم، لأن آثاره تحكي قصص الحضارات الانسانية الكبرى، فضلا عن استعادة العراق المعرفي، بكل حمولته التاريخية والرمزية، وبكل عمرانه الفلسفي واللغوي والادبي، واسفاره في علوم الكلام والعقل والفقه، حيث كانت اواوينه وبيوت حكمته مجالا يتسع لأهم مدارس العقل والاعتزال التي عاش مجدها العرب والمسلمون. إن تكامل النجاحات هو الخيار الأكبر للتنمية، إذ تعني هنا مفهوما شاملا لتأطير التنوع، ومصادر العيش والتفاعل والثراء، ولاعطاء الانسان العراقي فرصا أكبر للبناء المؤسسي والقانوني، وللانفتاح على العالم عبر حوار وتعاون وشراكة تؤكد دلالة الصورة الكبرى لمعاني الانتصار الكبير، وللنجاح الاكبر في ادارة هذا الانتصار...