نساء في لعبة الذكور

ثقافة 2021/08/31
...

ابتهال بليبل 
يُقدّم إبراهيم محمود في كتابه الإشكالي (نساء في لعبة الذكور) الجسد الأنثوي بوصفه علامة دالة على مناح متعدّدة منها ما هو سيميائي علاماتي يشير إلى ركائز اجتماعية ورمزية، ومنها ما هو اقتصادي ينطوي على لائحة قوى ائتمانية وودائع مجتمع وسلطة تسمّي عائلتها أو طائفتها أو ثقافتها، وما في ذلك من مسمّى سلعي، نقدي، ومنحى آخر سياسي ينطلق من أن الجسد المرغوب فيه أو المشتهى أو المساوم عليه بصورة ما يتعزّز بقوى تفكّ بأسمائها أو مسمياتها على قدر ثقافي محمل بالدلالات.. وهكذا يتحرك المؤلف عبر صفحات الكتاب في الفضاء الاجتماعي الذي يحظى بالجُهد السياسي لشخصيّات نسائية تاريخية وأسطورية تنتمي لواقع تم توثيقه تحت تسمية (الزواج السياسي) حيث الصراعات الخفية والمعلنة هي أسّ الحدث ومحركه الرئيس. 
يتساءل المؤلف كيف يمكن للنساء أن يكنّ لعبة عند الذكور؟ وكيف للذكور أن يكونوا مصمّمي خطّط تكون النساء فيها مجرد لعبة ناطقة بلسانهم، وقائمة برغباتهم، ومحمّلة بأهوائهم وميولهم الذكورية؟.
وبصرف النظر عن أن الزواج السياسي في أصله هو تعبير عن قوة ذكورية عنيفة قامعة ومهيمنة، فإن من يركز على تساؤلات المؤلف المهمة والدقيقة يكتشف على وجه الدقّة كيف يرتبط جسد الأنثى بعالم يتحدّد مجاله الوصفي من خلال افتراضات اجتماعية تمكنت من قطع الصلة الأيديولوجية بين الجسد والعواطف وما بين (الأنا) المقموعة و(الآخر) المتحكم القامع. إذ يتم عرض الأنثى في الزواج السياسي في وضع التبعية لدولة أخرى أو بمعنى أصح لسلطة ثانية، مما يعزّز الأدوار التي يقوم بها الرجال تقليدياً في الواقع السياسي. 
ويأخذ الزواج السياسي النهج المعاكس للصراعات والحروب فيضع الجسد الأنثوي هدفا مركزياً في سياق الواقع السياسي والاجتماعي، ويرسم خطا من القوة الذكورية إلى الأنظمة الأبوية بشكل عام ومن القوة الذكورية إلى الواقع السياسي: حيث الأنثى، بصفتها (الاتفاقية).. وكلاهما يجسد القيم الاجتماعية ويحدّدها. أما عمل هذه الاتفاقية فإنه (دعوة إلى الامتلاك) إذ يُحتفى بتبادل المنافع بين دولتين بوصفهما جوهر الزواج السياسي. 
إن تأثير هذا النوع من الزواج يشبه ما تفترضه هياكل الأنظمة الأبوية التي تصور النساء في أنها (لعبة ناطقة بلسان الذكور)، وبذلك يكون جسد الأنثى في الزواج السياسي مقدساً على وفق قواعد النساء التي وضعها الرجال ومكافأة هذا الجسد هو انقياد الأنثى لإحساسها بالفضيلة والقدسية، خاصة عندما تتأمل تجربة الاستعانة بها أقصد (بجسدها) وكأنها أداة في عالم يحكمه الرجال.