مسرحة التعازي

ثقافة 2021/08/31
...

  د. أحمد شرجي
 
تُعد التعازي الحسينية مظهرا دراميا مهما في الثقافة الاسلامية، وذلك لتوفرها على كل الشروط الدرامية بمقاسات ارسطو. إذ وضع ارسطو مسطرة للتراجيديا، ويجب ان تتوافر فيها الوحدات الثلاث (وحدة الموضوع، وحدة الزمان، وحدة المكان)، الاولى تتحقق من خلال أن يكون بطل واحد تدور حوله أحداث المسرحية، وكلّ الموضوعات الجانبية تذهب باتجاه البطل الأحادي، اما وحدة الزمان، فتحدد زمن الاحداث دورة شمسية واحدة، ووحدة المكان، تعني الاحداث التي تدور بمكان واحد، وكل ما يتعلق بالزمن التاريخي فهو اخباري على لسان الشخصيات. المسطرة الارسطية تتجسد كاملة بواقعة الطف، هناك بطل رئيس الحسين (ع) تدور حوله الاحداث، والاحداث الجانبية تدعم وجود البطل، والزمن في الواقعة منذ شروق الشمس إلى منتصف النهار، ووحدة المكان حددها مكان المعركة (الطف)، إذا نحن امام تراجيديا متكاملة الاطراف والاحداث ولا تحيد عن تعريف ارسطو للتراجيديا، فلماذا لم يفعل العقل العربي التراجيديا الحسينية بوصفها نواة مسرحية بعيدا عن مرجعية
 الشخصيات؟. 
تتوافر في التعازي الحسينية كثيرٌ من العناصر الدرامية، والمسرحية، مما يضاهي التراجيديات اليونانية الخالدة، بوصف الأخيرة انطلقت من الطقوس الدينية، في تشكيل هويتها التراجيدية متخذة من الملاحم مادتها الرئيسة بتشكيل عرضها التراجيدي، وان كانت التراجيديا اليونانية قد بدأت كعرض بممثل واحد، ومن ثم تطور العدد على يد اسخيلوس وسوفكلس ويوربيدس، الى اثنين وثلاثة، ومع الأخير تعددت الشخوص والمنحى، بينما نجد في التعازي الحسينية كثيرا من الممثلين وبقصدية واضحة، هذه القصدية فرضتها الواقعة، بتعدد شخوصها، من اجل تجسيد الحدث المأساوي للحسين
وأولاده.
وأسهم التابو الإسلامي أيضا بعدم إبراز أو تجسيد آل البيت والصحابة بشخوصهم على المسرح، ومن ثم تقويض بروز التعازي وتطورها كتراجيديا إسلامية عربية، لها كيانها وسماتها الخاصة، لهذا اختلفت النعوت لهذه الواقعة، واقعة الحسين وأولاده وأصحابه
(ع). 
فلقد كان الفاطميون يسمون يوم عاشوراء «يوم الحزن»، لأنه ذكرى مقتل الحسين بن علي في موقعة كربلاء بالعراق، بينما كان الأيوبيون يتخذون منه يوم سرور
واحتفالات.
إن اختلاف صيغة ومرجعية الذكرى والتابو [أي طقوس التعازي الحسينية] هي جزء من التطور الطبيعي، وبالاتجاه الذي جعلها تأخذ مكانها كتراجيديا مهمة، وموازية لما آلت إليه التراجيديا اليونانية من تطور على مستوى الشخوص والصراع.
فهل أسهمت بعض التوجهات الطائفية في تقويض فكرة مسرحة التعازي الحسينية وتأصيلها كشكل مسرحي إسلامي، عربي؟، على الرغم من كل ما تحمله من حمولات درامية منبثقة من التاريخ، أهملت ولم يتحدث عنها كشكل درامي بعد الإسلام، على الرغم من ان عمرها هو عمر الإسلام، بل اخذ الباحثون بالحديث عن الإشكال الفرجوية ما قبل الإسلام، وهذا كان على وفق قصدية طائفية، وفق ما ذكره الدكتور محمد عزيزة في كتابه المهم (المسرح والإسلام). 
 وقد لا يكون السبب طائفيا، بل بسبب عدم تعرف الإسلام الى المسرح، بحكم حياة البداوة والترحال قبل الإسلام، وعدم استقرارهم في مكان، وهذا أسهم كثيرا في عدم استقرار التمسرح، الذي يحتاج إلى بيئة مستقرة، واستمرارية، حتى يتشكل ويتطور، لكن هذا ينطبق على حياة ما قبل الإسلام، لكن بعد الاسلام، كان هناك استقرار، وكانت دمشق في زمن معاوية عاصمة كبرى، ونفس الشيء يقال عن بغداد في زمن العباسيين، التي كانت مركزا ثقافيا
مهما. 
وكانت هناك التعازي الحسينية، التي تحمل كثيرا من الحمولات الدرامية، وتتجسد فيها كثير من العناصر التراجيدية  كحدث مأساوي، اذن لماذا اجهضت؟، عرفت الحياة العربية كثيرا من الأحداث والصراعات، التي كان من الممكن ان تخلق تراجيديات عربية، تضاهي التراجيديات الإغريقية، لو استثمرت بالشكل الصحيح، من خلال توظيفها دراميا، ومن ثم تجسيدها، معارك المسلمين، غزواتهم، من اجل ترسيخ الدعوة الإسلامية، كانت مادة مهمة لخلق منجز تراجيدي
مهم.