شعريَّة وطن

ثقافة 2021/09/01
...

  علوان السلمان
 
كلما افترقنا سقط من الخارطة وطن
الخطاب الشعري تجليات الذات المنتجة للكشف عن سيرورتها.. كونه محطة الوعي الجدلي القائم على قطبي التقنية والجمالية.. والتجربة الشعرية التي هي (عملية الحياة والحركة العضوية بأكملها التي تسير في الكون) كما يقول هربرت ريد.. عند الشاعر سلمان داود محمد التي توزعت ما بين القصيدة أو قصيدة الصورة التي تستدعي مهارة فنية وقدرة على التركيز باختزال الوصفية مع اكتناز دلالي وعمق فني وشعور عالٍ.. كونها ضربا متميزا من التقنية في القدرة على ايجاد بنية شمولية في بضعة أسطر محدودة.. لذا فهي تقتضي وعيا ومعرفة شفيفة للمعنى.. وهي تشكل القصيدة ـ الصورة كونها (تنقل موقفا شعوريا بعاطفة موحدة وتناغم موسيقي تركيبي دلالي..).. وقد احتضنت في مضامينها فلسفة الوجود من خلال منطق الرؤيا في ما وراء الأشياء.. 
في غفلةٍ من أمّي
اقتادني الأبُ إلى هناك.
إلى الحرب،
كي أتعلّم البلاد والأناشيد والبنادق...
فتعلّمتُ قتلاي والقمل المتكاثر في رؤوس السطور.
في غفلةٍ منّي
ماتت الأمّ، والأبُ كذلك
وظلّت الحربُ
تدورُ بي على الخرائب
وتصيحُ عبر مكبّرات الصوت
هذا الوطن التائه
لمن؟؟؟...
 لقد وفق الشاعر في الحديث عن الذات، وهو دخل بحوار مع الذات الجمعي الاخر لتجسيد (الوطن) الدال على الحدث الشعري حديثا متوازنا من خلال الصور المجردة التي صيرت التعبير الشعري تداولي المعنى، والذي لا يخلو من حس دلالي عن طريق استثمار التكرار الذي وظفه للتوكيد وتوسيع مدى النص والصورة، فضلا عن انه يشكل ظاهرة ايقاعية تثري النص وتصل به الى ذروة التعبير عن النفس التي تعيش حالة التمزق والصراع مع المحيط.. كونه نابعا من صميم التجربة.. فضلا عن الاستفهام والنداء الذي يعني اختزال الماضي.. فكانت الصورة الشعرية التي هي (إحدى العلاقات البارزة في الادب الحداثي) كما يقول (اتلمان كراتسو).. كونها تهدف الى ايقاظ مكامن الشعور وبعث التوترات السيكولوجية لحظة الخلق الشعري.. وهذا يعني ان الصورة مؤسسة على حجم القصيدة التي ارتقت أعلى درجات التعبير وحققت إمكانية التأثير كونها اسهمت في توليد البنية الدلالية التي تعد من اهم المرتكزات الاسلوبية لدى الشاعر بما تحدثه من إثر في نفس المتلقي من خلال المفاجأة المقترنة بالانزياح الدلالي..
تستيقظ الحروب
بإشارة ملكية
بينما تنام الحروب
بجرعة كبرى
من أشلاء تتمرغ بالنسيان
فالنص يعبرعن لحظة انفعالية تجنح الى الايجاز والتركيز وهي تتكئ على محمولات لفظية تكشف عن صور حسية (بصرية).. تنطلق من الاطار الذاتي وتبلغ ذروتها معانقة التجربة الإنسانية.. إذ إنها تتصدى للقلق والتمزق بوعي الأزمة التي تحيط بالشاعر فيتعامل معها بواقعية.. ليحقق الرؤية الشعرية بالاقتراب من اليومي وتفصيلات الواقع بكل تناقضاته وتوتراته..
 
أنا سعفٌ قديمٌ صار مروحةً يدويّة.
.هكذا يضيع زماني
وأنا أراقب جثمانكِ المهيب أيّتها النخلة،
جثمانكِ المساق إلى معامل تصنيع السياط الآن،
وورش ابتكار المنابر في كلِّ آن..
فالشاعر يرسم لوحاته المشحونة بقلق الذات وهمومها فينسج نصا يعتمد حركية الحواس وتناغماتها المنسابة مع ايحاء اللحظة الشعرية وعناق الأزمنة.. وخلق دلالات ومناخات نفسية تسهم في توسيع القدرة التخييلية بالاتكاء على السرد الشعري في تشكيل مكوناته النصية عبر الاستغراق في الجزئيات..
ذات هجوم
كان النوم منشغلاً بالقتلى
والملجأ مستودع أحلام خلّب
أيقن أن المباهج كالبساطيل
كلاهما لا يذكر في لائحة الخسائر
فأغلق البحر وراءه
ودحرج الأيام خلف الراجمات
فالنص يعكس الاضطراب النفسي عبر الاتكاء على اساليب تصويرية تكشف عن ذات مأزومة بلغة تعبيرية بعيدة عن التقعر والتعقيد.. فضلا عن أنه يوظف هواجسه عبر مشاهده التأملية التي تكشف عن المضامين الموحية عبر خيال محسوس كمحفز في عملية الخلق الشعري.. الوسيلة التعبيرية والدلالة الاجتماعية التي يحققها المنتج (الشاعر).. كونه يمثل قمة الهرم الإبداعي بقدرته على الخلق ضمن إطار الوعي لتسجيل موقف ازاء حركة الكون.. كونه يحاول أن (ينشئ من العالم المفروض عليه عالمه الذي يحلم به..) على حد تعبير بول ايلوار.