تعد المدينة احد الاشكال المتطورة للتجمعات السكانية، وتنسجم مع الطبيعة الثقافية للسكان وتوجهاتهم الدينية او الحضارية، وتتنوع ما بين صناعية واقتصادية وتجارية وغيرها، وهي تعبر عن الوجه الحقيقي لمدى التقدم او التخلف الحضاري لسكانها، من خلال مستوى جمال او ضخامة ابنيتها ومدى نظافتها والخدمات المتوفرة فيها.
ومن أجل تنظيم شؤونها وابراز الوجه الجميل لها تقرر ان يكون لكل مدينة مركز يمثل قلبها النابض بالحياة، لذا باتت هذه المراكز محلا لاستقطاب السائحين والتجار، من خلال العمارة اللافتة للانظار والتنظيم المروري المتقن لكونها مكانا لتواجد اهم الدوائر والمؤسسات الرسمية او الشركات فيها، لذا اصبحت العناية بتطويرها مطلبا تنمويا ضروريا.
الحديث عن هذا الأمر يثير الشجون لو اسقطناه على واقعنا المعاش، فبنظرة سريعة على منطقة الباب الشرقي التي هي مركز مدينة بغداد، تشعرنا وكأننا ننظر الى رجل كهل ارهقته السنون وشوهته التجاعيد جالسا يئن وحده بعد ان اختفت لمعة الشباب ورونقه التي كانت تزين شعره وحلت محلها طبقة رمادية خانقة ليس لها علاقة باي حياة او جمال.
فهذا نصب الحرية الذي يتوسط ساحة التحرير ويمثل تحفة فنية شهد لها النحاتون في مختلف ارجاء المعمورة، تراه يتداعى بعد ان طالته يد الاهمال لسنين متمادية، والشوارع التي تحيط بساحته تغص بالسيارات والمارة بمشهد كأنه في احد شوارع الصين ذات المليار ونصف المليار انسان وليس في العراق، وفي حال سيرك لعدة أمتار سيجابهك الباعة الذين احتلوا نصف الشارع العام ببسطاتهم ومكبرات الصوت التي تصم الاذان.
النفايات مبعثرة هنا وهناك والتجاوزات على قدم وساق، وشرطة المرور كأنها تلعب لعبة الشرطي والحرامي مع سائقي مركبات الاجرة، وبكلمة مختصرة فإن المكان لا يمت باي صلة لمركز مدينة متحضرة يمتد تاريخها لاكثر من الف سنة.
هذه المدينة التي طالما تغنى بها الشعراء وحلم بزيارتها العشاق والمغامرون محاولين استذكار واستعادة الامكنة التي روت عنها اسطورة الف ليلة وليلة، تعيش الآن فوضى عارمة تستدعي من الجميع، حكومة وشعبا العمل على تطويرها واعادة الوجه الناصع لها.
وصدقوني ان القضية ليست معقدة الى هذا الحد، فبغداد رغم كل آلامها إلا انها ما تزال جميلة، وهي أشبه بأمراة حسناء على وجهها الغبار، فبمجرد اغتسالها ستسفر عن تفاصيل حسنها وجمالها الأخاذ.
العاصمة وجميع مدننا بحاجة الى اعادة تأهيل والاعتناء اكثر بنظافتها وترتيب حركة مرورها، وتطوير اسواقها ومؤسساتها، لأننا ذكرنا في البدء ان كل مدينة لاسيما مركزها يعبر ويعكس مدى تحضر سكانها او تخلفهم عن اللحاق بركب التقدم والمدنية.
من هنا لنتخيل فقط ما الذي ستقوله عنا بقية الامم وخاصة الاوروبية منها لو زارت مدننا ومنها العاصمة بغداد؟، يا ترى هل سيود احدهم ان يزروها مجددا ام انه سيمنع اصدقاءه عن التوجه اليها في قادم الايام ؟.