أصل الشر عند تيري ايجلتون.. خارج مفهوم الأخلاق

ثقافة 2021/09/03
...

 أوس حسن 
 
شغل مفهوما الخير والشر، حيزا وجوديا وفلسفيا عند الكثير من الكتاب والفلاسفة وعلماء اللاهوت، وأرجع بعض المتدينين هذه المعضلة إلى الخطيئة الأصلية، لآدم، وإن البشر يولدون خاطئين، وفي نفوسهم شيء من الشر أو الظلام، وينقسم الشر إلى نوعين: الشر الطبيعي كالبراكين والفيضانات والزلازل وتفشي الأمراض، وهو الشر الذي لا علاقة ليد الإنسان به وليس له غاية أو سبب، والشر الأخلاقي: وهو الشر الذي يكون من صنع الإنسان وتدبيره مثل جرائم القتل والحروب، وإلحاق الألم بالآخرين.
في كتابه (عن الشر) يفكك الناقد والمفكر البريطاني مفهوم الشر والعودة إلى جذوره الأصلية والفلسفية، مسلطا الضوء على بيئته الاجتماعية والنفسية، والظروف التي جعلت منه مفهوما يرتبط بالسوء واللا أخلاقية في نظر البشر. 
تناول العديد من الفلاسفة فكرة الأخلاق في المجتمع وتبين أن الأخلاق نسبية في المجتمعات، ويختلف فيها مفهوما الخير والشر تبعاً لعادات وتقاليد هذا المجتمع أو ذاك.
ويصبح الخير ركيزة أخلاقية في مجتمع ما عندما تتوافق مصلحة الجماعة وطموحاتها مع هذا الفعل أو ذاك، وكذلك بالنسبة للشر الذي يشكل عائقا لمصلحة الأفراد في المجتمع ورغباتهم، إذن يمكننا القول إن الجماعة تنظر إلى مجموعة من الأفعال السيئة التي تلحق الضرر بالآخرين على أنها شر، وكذلك مجموعة من الأفعال التي تجلب المحبة والرحمة واستعطاف الآخرين على أنها خير، علما أن كلا الفعلين يرتبطان بالسلوك الذاتي للفرد، أما التسمية والمفهوم فالمجتمع هو من يطلقها وتصادق عليها جميع المؤسسات والقوانين.
يفرق تيري ايجلتون في كتابه بين الخبث والأعمال اللا اخلاقية من جهة، وبين الشر من جهة أخرى، معتبرا أن الشر هو سلوك ناتج عن أشياء مثل الحسد والغيرة والغضب، وهو عبارة عن رغبات جائعة ومتناسلة في النفس البشرية، وهو ما أطلق عليه فرويد دافع الموت، كما يرى تيرى ايجلتون أن الشر هو مبهم وغامض وليس له تعريف محدد، وليس له غاية ولا مسبب، إنه الطاقة التدميرية أو غريزة الفوضى الناجمة عن نقص وحرمان في الوجود.
إذ تقتصر وظيفته في إشباع الحياة من الآخرين نتيجة غياب مؤلم في النفس. 
ويرى الفيلسوف الألماني هيغل أنه كلما ازدادت الحرية الفردية كان الشر في حالة نشاط.
قد يتردد سؤال إلى القارئ عن المفهوم الشائع لفكرة الشر، هل الشر فعلا هو سبب كل الشهوات والرغبات البشرية على الأرض؟. 
ينفي تيري ايجلتون هذا المفهوم في كتابه مستشهدا بعدة أمثلة وهو في ذلك يقول: فكر في الفرق بين شخص يمارس السادية من أجل المتعة الجنسية في علاقة جنسية بالتراضي، والشخص الذي يوقع ألماً مبرحاً على شخص آخر من أجل تهدئة إحساسه بضعف الشخصية؟.
يرى ايجلتون أن الوعي العميق بالشر محدود وضئيل وجدا في الواقع، بل يكاد يكون معدوماً، لكن لا يخلو الأمر في أن يكون الشرير.. شريراً بمحض إرادته الحرة، مستشهدا بعدة أمثلة من عالم الأدب أطلق عليها ايجلتون بروايات الشر: مثل رواية بنتشر مارتن لوليام غودنغ، ورواية أمير الذباب، ورواية الفردوس لجون ملتون
وغيرها.
وقد أطلق مصطلح الطغاة الطيبون، على مجموعة من الأفراد الذين يعملون في سلك السياسة وأجهزة المخابرات، فبالرغم من عملهم في تعذيب المساجين بأقسى وأبشع الطرق اللا أخلاقية، إلا أنهم قويمو السلوك في المجتمع وهم أزواج أوفياء وآباء تملؤهم الرحمة والشفقة، وهم يدعون الوطنية ومخلصين تماماً في جميع انتماءاتهم، فكثيرا ما تستفزنا الدهشة عندما نشاهد طاغية قتل الملايين من البشر، وأزهق أرواحا لا ذنب لها في الحياة، لكنه يبكي لمنظر طفل متسول أو فتاة يتيمة، أو يتأثر أكثر مما يتأثر غيره من البشر الأسوياء بمناظر ومشاهد يكون فيها في غاية الرقة واللطف، بل ربما يكون إنساناً مرهفا أكثر من غيره.
لذا يقترح ايجلتون أن نسمي الأفعال الشريرة بالأفعال السيئة، وهو يتبنى تفسير هذه الأفعال إلى الدوافع البيئية المتمثلة في الظروف الاجتماعية، وإلى سبب آخر ذاتي يتعلق بمؤثرات الشخصية التي تتحكم في سلوك الفرد، وقد يجتمع السببان في الفرد، لذا توصل ايجلتون أن أصحاب الشر هم أبرياء، لأن الشر يكمن في أسباب بيئية ونفسية لا ذنب لفاعل الشر فيها..
إذا كان الشر يقوم على الرفض الشامل للوجود وعلى كل الأشياء الخلاقة.
فما علاقة العدمية والتمرد بالشر؟. ومن أين تأتي هذه الطاقة السلبية التدميرية عند الإنسان؟.
كيف ننجو من الكارثة.. ونحن من شيدنا مملكة الجحيم على هذه الأرض؟.