أنيس عبيد.. المؤسس الأول لذاكرة السينما الأجنبية في الوطن العربي

الصفحة الاخيرة 2021/09/06
...

 صلاح زينل
 
كان ينتابنا الفرح عند ظهور جملة على شاشة التلفاز أو السينما معلنة بداية اغلب الأفلام الاجنبية التي كنا نتابعها بشغف بعد التايتل الطويل، وربما يذكرها البعض وقد يكون البعض الآخر قد نساها، انها جملة (طُبعت الترجمة في معامل أنيس عبيد بالقاهرة)، انيس عبيد الذي صار مصدر سعادتنا مع اننا لم نعرفه ولم نر صورته، ولم نكن نعرف بأنه لم يكن يحب الظهور والاضواء.
 
من هو أنيس عبيد؟ 
أنيس عبيد، مهندس مصري من مواليد 1909 من أسرة قبطية ثرية وكان واسع الثقافة ومحب للأفلام الأجنبية التي كانت تعرض من دون ترجمة، تخرج في كلية الهندسة عام 1932، وبعدها سافر إلى باريس، للحصول على درجة الماجستير في الهندسة في مقر الجامعة التي كان يدرس فيها، وشاهد إعلانا بالصدفة عن فتح باب التقديم لدورة تدريبية حول كيفية دمج الكتابة على شريط السينما، والتحق أنيس بالدورة وهنا أضاءت في ذهنه فكرة استخدامها في الافلام السينمائية للمصريين وكل العرب.
بصدفة أخرى التقى في باريس بالفنان محمد عبد الوهاب وطاقم فيلم {الوردة البيضاء}، اذ مثل في الفيلم دورا من جملة واحدة احتاجوا كومبارس مصري ليقولها، وبذلك اقترب من الوسط السينمائي فعاد لمصر تاركاً الماجستير وراءه ودخل مجال المونتاج السينمائي وعمل كمونتير لفيلمي {كله إلا كده} و}الغندورة} عام 1934 ثم ترك ممارسة المونتاج للتركيز في مشروعه الأول وهو الترجمة.
بدأ مشروعه بآلة صنعها بنفسه تقوم بطبع الترجمة العربية على أشرطة الافلام السينمائية، ويعد من الأوائل في العالم الذين وضعوا الترجمة على فيلم الـ 16 مللي، وما زالت هذه الآلة موجودة في معمله الى يومنا هذا.
في العام 1944 عُرض أول فيلم مترجم من الإنكليزية إلى العربية من معامل أنيس عبيد، وكان فيلم {روميو وجوليت}، وحقق نجاحا كبيرا حينها، واستقبله الجمهور بترحاب كبير، اذ ظهرت الترجمة للمرة الأولى في دور العرض المصرية أسفل الشاشة بشكل سلس لا يفصل المشاهد عن المتابعة، وتدريجيا بدأ في إنجاز أعمال أكثر، ثم توسّع بشكل ضخم في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وكان يترجم كل الأعمال الأجنبية التي يعرضها التلفزيون المصري بمعامله التي يديرها أبناؤه لغاية الان والتي كان يعمل عليها حتى وفاته بتقنيات الترجمة التقليدية الصعبة والشاقة حتى ظهور التقنيات الجديدة في عالم الطباعة والترجمة في عام 1996 بعد وفاته بثماني سنوات.
توفي أنيس عبيد في عام 1988 عن عمر يناهز 79 عاما تاركا لنا ارثاً سينمائيا مترجماً على مدى أربعين عاماً، وانفردت معامل {أنيس عبيد}  بترجمة الافلام الأميركية والهندية والأوروبية في مصر وتمكنت من تعريف العرب بروائع السينما العالمية، اذ أصبحت جملة {تمت الترجمة بمعامل أنيس عبيد بالقاهرة} العبارة المميزة للفيلم الأجنبي ولقب المؤسس الأول لذاكرة السينما الأجنبية.