الفيلم العراقي {الامتحان} يطرح قضايا النساء والتعليم بالمسابقة الدولية لمهرجان كارلوفي فاري السينمائي

الصفحة الاخيرة 2021/09/06
...

  د. أمــل الجمل  
 
 يسير البناء الدرامي لفيلم {الامتحان} من توقيع المخرج العراقي الكردي شوكت أمين كوركي في ثلاثة خطوط رئيسة ذات علاقة قوية ببعضها، الخيط الأول يتعلق بالفتاتين روجين المراهقة، وشقيقتها الكبرى شيلان المتزوجة من رجل سماك تصفه هي بأنه مستبد.
 
 تُدرك الأختان أن الأسرة تدبر لزواج روجين رغماً عنها، وستكون الفرصة الوحيدة لإنقاذها أو هروبها من هذا الزواج - المفروض قهراً - أن تنجح الصغرى في اجتياز امتحان القبول بالجامعة، لكن كيف تحقق حلمها بينما هي لم تذاكر، ولم تستعد له، بينما تكتفي بالتفكير في حبيبها الذي هاجر بشكل غير شرعي ولم تعد تعرف عنه شيئاً.
تقرر شيلان مساعدة أختها بكل طاقتها، كي لا تكرر الأخت الصغرى تجربتها في زواج فاشل جعلها تجلس في البيت مع زوج لا تحبه وتقاوم فكرة إعادة الإنجاب، ولأجل ذلك ستبيع شيلان مصوغاتها الذهبية لتدفع ثمن الإنقاذ، من هنا تأخذنا الأختان بصحبتهما إلى الخيط الثاني حيث مافيا الغش التي تتكون من مدرسين يعملون بشكل منظم مع الأهالي القادرين على دفع المبالغ بالدولار.
 
لا شك أن المشاهد بصحبة المافيا في أغلبها مصنوعة بخفة ظل وبها طرافة، خصوصا عندما تقطع الإدارة التعليمية خدمة الانترنت وتضطر هذه المافيا لنقل أولياء الأمور إلى جوار المدرسة في سيارة لنقل اللحوم ومنحهم أجهزة لاسلكي لإنجاز عملية الغش، تتكون المافيا من مجموعة من المدرسين؛ فهناك أحدهم مهمته تسريب أسئلة الامتحانات في آخر لحظة عندما يتم فض الأغلفة والشمع، وآخرون يقومون بمهمة حل الأسئلة، ثم هناك شخص ثالث يتولى مهمة الأجهزة الخلوية والبلوتوث لتسهيل مهمة الغش.
من هنا، يُسلمنا الخيط الثاني إلى الثالث حيث قاعات اللجان وفيها المدرسون المسؤولون عن إدارة الامتحان وحمايته من التسريب وصراعاتهم الداخلية، وأثناء ذلك نعايش لحظات من الشكوك نراها في عيون وتصرفات المدرسين، وعلى الطرف الآخر تتجسد بقوة لحظات الخوف والذعر من بعض الطلاب خصوصاً مَنْ يقومون بعملية الغش أثناء التفتيش أو بعد ضبطهم.
 
أهم نقاط ضعف الفيلم أنه رغم انحيازه الظاهري لقضية المرأة، لكنه في النظرة الأكثر عمقاً سنجده عملاً يدين السلوك الذي تتبعه المرأة في حياتها، فجميع النساء به مع اللجوء للغش لتحقيق الأحلام والهروب من أي مأزق، صحيح ان شيلان ترغب في مساعدة أختها لإنقاذها من الزواج، وإنها تفعل ذلك بنية حسنة، لكنها ترتكب أخطاء تقود إلى الخداع والكذب المتواصل الذي يجعل المشاهد لا يتعاطف معها، بل ربما يتعاطف مع رجال الاسرة، خصوصا الزوج والأب، فإذا كانت الفتاة لديها رغبة حقيقية في الالتحاق بالجامعة فكيف يكون ذلك عبر الغش وليس عبر المذاكرة والجد والاجتهاد، وهذا ما يُعبر عنه الزوج والأب في بعض اللحظات في استنكار شديد.
 
صحيح ان موضوع الفيلم يطرح - في جزء منه عبر دراما معجونة بالتشويق والجرأة - موضوع حق المرأة في إدارة حياتها الخاصة واختيار الطريق الذي تسير، لكنه سرعان ما يضيع وننساه بسبب تركيز السيناريو على مشاهد التشويق الخاصة بتفاصيل عملية الغش والاستغراق فيها، ووضع العراقيل أمام تلك العملية التي من المفترض أن المتفرج سيكون ضدها، خصوصاً ان الطلاب مستسلمون، ولا شيء في البطل الضد يجعلنا نتخذ منه موقفاً مناهضاً، فنحن لم نر أي طلاب يذاكرون بجد واجتهاد ويتعثرون جراء الخوف، فنلتمس لهم العذر، لا شيء من هذا يحدث، فكيف نتعاطف مع الخداع، خصوصا انه غير مبرر بعمق.
 
كما أننا لا نرى مشاهد مؤثرة عن دكتاتورية الزوج، فجميع مشاهده سواء مع الزوجة أو مع غيرها، تكون رد فعل على تصرفات زوجته الغامضة، التي تمارس الكذب والخداع، فكيف نتعاطف معها ضده؟!  كما أن أداءه كرجل سماك لم يكن مقنعا إطلاقاً لأنه كان واضحاً أنه غير قادر على تقطيع السمك وتنظيفه، وكأنها ليست مهنته، كما أن تكرار لقطاته مع السمك كانت به رتابة بعض الشيء.
الأهم من كل ما سبق أن الأحداث من المفترض أنها تدور في كردستان العراق التي مزقتها الحرب لكننا لا نرى شيئاً من هذا، بحيث تحول الفيلم إلى عمل درامي تشويقي خفيف عن الغش في الامتحانات، عمل سينمائي خال من العمق ومن أي أبعاد سياسية رغم أنه في بلد مشتعل بالسياسة والمشكلات الاقتصادية.
بقي أن نشير إلى أن فيلم {الامتحان} شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كارلوفي فاري الذي يُعد أهم وأعرق مهرجان في وسط وشرق أوروبا، وذلك أثناء دورته الخامسة والخمسين التي عقدت بالفترة بين 20 - 28 آب الماضي، والذي يعود بعد غياب عامين، وتأجيل مرتين، وقد تم اختيار فيلم {الامتحان} لينافس على الكرة الكريستال مع أحد عشر فيلماً آخر، كان أغلبها على مستوى سينمائي راق جدا، بمعالجات بالغة العمق.
 
ورغم خروج الفيلم الكردي العراقي من المسابقة الرسمية خالي الوفاض لكن لجنة تحكيم الفيبريسي - الاتحاد الدولي للنقاد التي تروج لفن السينما بأفضل طريقة وتشجع السينما المعاصرة والصاعدة - منحته جائزتها هناك، وهذه الجائزة في المهرجان التشيكي العريق تُمنح تخليداً لذكرى الناقد السينمائي التشيكي {يان فول}Jan Foll  (1951-2021)، والذي يُعد من أبرز الشخصيات السينمائية شهرة في نقد الأفلام التشيكية؛ وقد حصل فيلم {الامتحان} على هذه الجائزة تكريما لهذا الناقد الذي أثر في أجيال مختلفة من الصحفيين والنقاد الشباب.