عدالت عبدالله*
في التقدير المبدئي وعلى ما هو ظاهر وموضع حديث الناس في الشارع الكُردي، لم يحظ أي رئيس لمجلس الوزراء في العراق منذ عام(2003م) الى يومنا هذا، بشعبية سياسية ومقبولية مجتمعية في كُردستان العراق، كالتي يحظى بها اليوم د.عادل
عبدالمهدي.
الأمر لا يتعلق، بأي مواقف رسمية في الوقت الراهن، أتخذها الأخير بشأن الكُرد وتطلعاته، ولا يتعلق بإنحياز ما لصالحهم في الأمور التي ترتبط بقرارات الدولة العراقية ورئاسة مجلس الوزراء في الدورة الحالية، وأنما الأمر يعود، بالأساس، الى مواقف سابقة، استطاع أن يتجاوز فيها النزعة القومية والطائفية المغلقة ونموذج السياسي التقليدي، ويَعكُس من خلالها رؤية وممارسة عراقية مختلفة يفتقر اليها اليوم- للأسف- الكثير من السياسيين، وهي التعاطي مع الأطياف والطوائف، القوميات والأعراق، الأديان والمذاهب، بطريقة منفتحة، قائمة على احترام الجميع، وأخذ الخصوصيات والاختلافات السياسية والسوسيولوجية الموجودة بعين الاعتبار.
وأكثر المواقف اللافتة للدكتور المهدي بخصوص الكُرد يرجع الى حقبة المعارضة العراقية وعلاقاته الودية آنذاك – ولاتزال طبعاً- مع قادة الأحزاب الكُردية في أيام المعارضة وأدبياته المكتوبة عن مآسي الكُرد ومواقفه المعتدلة أيضاً تجاه الملفات العالقة بين بغداد واقليم كُردستان أثناء مسؤولياته المتعددة في الدولة العراقية منذ مرحلة مجلس الحكم الى آخر منصب له في الدولة قبل أن يتبوأ أخيراً موقعه الحالي.
وقد رأينا أيضاً أن حدث وصول المهدي الى رئاسة مجلس الوزراء، قد استُقبِل في كُردستان العراق، بحفاوة، باعتبار ان هذه الشخصية، ومن خلال ثقافته السياسية الواسعة وعلاقاته الوثيقة مع الكُرد، سيُحدث نقلة في البلاد، أو على الأقل، يتوقع منه المرء الإفادة من أخطاء السابقين!، خصوصاً إذا ما استقر البلد واُستوعِبت في الأوساط العراقية السياسية، تقاليد جديدة في إدارة الدولة، وإذا ما لم تتدخل الأحزاب أيضاً، كعادتهم!، في الشؤون المتعلقة بتوزيع السلطة والثروة، الذي هو من أهم الركائز والرهانات في أي مساعٍ حقيقة بإتجاه تحقيق الأمان والسلم الأهلي وإنتماء الجميع للعراق وضمان حق المواطنة والمشاركة السياسية.
بمعنى آخر، ان رئيس مجلس الوزراء الحالي، هو شخصية مقبولة طالما ليس له سابقة سيئة تُذكر حتى الآن في المسؤوليات المتعددة الموكلة اليها في إدارة الدولة، وبالرغم من أنه يتصرف كرجل الدولة ولم يتهرب من المسؤوليات، إلا أنه، وبخلاف الكثيرين!، غير متشبث بالسلطة أيضاً بهاجس المنفعة الشخصية، أو حباً بالمناصب والمواقع، وربما الدليل على ذلك، هو استعداده، في أي وقت أقتضى، كما يردد ذلك في العديد من المناسبات، للتخلي عن أي منصب فور ما يغدو مجرد منصب ليس إلا، أي دون أي جدوى للشعب، أو أي مكسب مجتمعي يُذكر، لاسيما في الحالة العراقية المتردية منذ سنوات وفي ظل الفتن والصراعات الطائفية والسياسة الخانقة، التي عادة ما تشل قدرات الدولة ومرافقها، بل غالباً ما تطيح بالكثير من الأفكار الخلاقة والمشاريع الطموحة لخدمة البلاد والعباد.
كما أن رئيس الوزراء الحالي، لم يسيء الى مكونات الشعب العراقي حتى اليوم، وهذه بحد ذاته فضيلة، ولم نلاحظ منه الإستعلاء القومي أو الطائفي في مواقفه تجاه أي طيف. أنه، كما يبدو لنا ذلك، يفكر بمنظور راهني ومستقبلي في آن واحد، وقد أثبتت التجارب، منذ اكثر من عقد، بأنه شخصية ثابتة/ وقورة، غير متقلبة، لا تتغير مواقفه بفعل الظروف المختلفة وبعقلية استغلال الفرص لمآرب شخصية، أو فئوية، أو مطامح حزبية وطائفية وقومية، وهذه من مميزات رجل الدولة المسؤولة والمتبصرة، خصوصاً إذا ما وفِر له الحد الأدنى من البيئة السياسية والمجتمعية الموآتية في البلاد وقُدِمَ الدعم بهذا المنحى وشُجِعَ بناء أسس الدولة الحديثة ومفاهيمها واُستُعين بالكفاءات وألتزم الكل بمبدأ "الشخص المناسب في المكان المناسب" وعُزِزَ مبدأ المراقبة والمساءلة.
بعبارة أخرى، نحن العراقيين، وخصوصاً في اقليم كُردستان العراق، لا نتوقع من د.عادل عبدالمهدي حتى الآن إلا الخير، ونعتقد بأنه سيتلقى الدعم من خلال ممثلي الكُرد في بغداد وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، الذي هو الآخر يُجيد لغة التعاطي مع الآخرين كرجل الدولة وكحامي للدستور، وتجاربه في رئاسة حكومة الأقليم والحكومة العراقية توحي بأنه سيشكل مع د.عبدالمهدي، ثنائية متناسقة ومعقولة في إدارة الدولة العراقية وتوجيهها على أسس جديدة يشعر وأياه الجميع بالطمأنينة والمواطنة والمسؤولية.
* كاتب وأكاديمي من كُردستان العراق.