تسارع التطبيع العربي مع العراق ودلالاته

آراء 2019/02/26
...

عبد الحليم الرهيمي
 

 

يشهد العراق خلال الفترة الراهنة تسارعاً في وتيرة تطبيع عدد من البلدان العربية الرئيسة لعلاقاتها مع العراق، وهو التطبيع الذي بدأت خطواته الأولى بعد احتلال تنظيم داعش للموصل ومناطق اخرى من العراق في العاشر من حزيران 2014 ثم اتسع نطاق هذا التطبيع في عهد حكومة حيدر العبادي حتى وصل الى أحد محطاته المهمة في الأسابيع الاخيرة التي شهدت تطوراً لافتاً في العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين العراق وهذه البلدان وفي مقدمتها الكويت، الاردن، السعودية والدول الخليجية الاخرى ومصر والتي تمثلت بتكثيف الزيارات المتبادلة لمسؤولين عراقيين ومن تلك البلدان والتي تمخض عنها عقد اتفاقات وتوقيع مذكرات تفاهم بينها وبين العراق.
ان الامر المهم اللافت في التطور الراهن لعلاقات التطبيع بين هذه البلدان والعراق انه يأتي بعد قطيعة دامت لسنوات عديدة تضرر منها العراق مثلما تضررت منها في الوقت نفسه تلك البلدان ، وان انهاء تلك القطيعة ومحاولات عزل العراق ومحاصرته سيعود بالفائدة حتماً على تلك البلدان وللعراق في آن معاً .
لقد اطلقت اراء ومواقف عديدة متباينة حول ما اذا كانت تلك البلدان العربية هي التي فرضت العزلة على العراق ام ان العراق هو الذي عزل نفسه عنها بعد التحرير والتغير في نيسان 2003 ، بما نجم عن ذلك من آثار سلبية ارتدت على الجميع ؟. 
لكن، وبصرف النظر عن القول بأن العراق يعود الى (الحضن العربي) ام ان العرب او البلدان الرئيسة منها التي قاطعته تعود هي الى (الحضن العراقي).. فأن النتيجة الاهم لتسارع وتيرة التطبيع في علاقات العراق واشقائه العرب ، انما تعني عودة تلك العلاقات الى نصابها الصحيح وبما يحمله التطبيع من دلالات واعدة في توسيع وترسيخ تلك العلاقات بأفضل مما كانت عليه قبل القطيعة والعزلة المتبادلة.
هذا التطور المتسارع في وتيرة تطبيع العلاقات العربية – العراقية اذ يحظى بدعم ومساندة الجهات الرسمية وقطاع واسع من الرأي العام في العراق وفي تلك البلدان يواجه ايضاً في الوقت نفسه باصوات ناقدة ومعترضة متذرعة بمختلف الحجج والمبررات، لكنها تغفل بشكل مروع المصالح العراقية الوطنية الراهنة والمستقبلية وعدم تفهم مبدأ المصالح المشتركة للعلاقات المتبادلة بين بلدان العالم ودولها، لاسيما البلدان والدول الشقيقة .
لقد بدأت في الواقع ، ورغم الاصوات والآراء المعارضة والمعترضة على عملية التطبيع ، حقبة جديدة مهمة في تطبيع العلاقات بين العراق واشقائه العرب وهي حقبة واعدة بتسارع واتساع وتيرة هذا التطبيع، والبناء على ما تحقق من تقدم على هذا الصعيد بتوقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقات الاقتصادية والتجارية والامنية بين عدد من البلدان العربية الرئيسة والعراق، لاسيما الاتفاقيات الاخيرة بين الكويت والعراق وبين الاردن والعراق ، وفي تطوير (مجلس التنسيق الاقتصادي العراقي السعودي ) الذي تأسس في تشرين الاول 2017 ، حيث توج تطور العلاقات وتطبيقهما بين العراق والرياض، بمهاتفة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس الحكومة العراقية يوم الجمعة الماضي بما يعنيه ذلك من توجه ودي لتطوير علاقات المملكة العربية السعودية مع العراق . 
ان المسار المتسارع لعملية تطبيع العلاقات العربية – العراقية والذي يعد باتساع وتيرته في المرحلة القادمة ، انما ينطوي على دلالات مهمة على مختلف الصعد اهمها : 
- خروج العراق من عزلته السياسية التي فرضت عليه من اشقائه العرب ما بعد التحرير والتغيير عام 2003.
- ايجاد وتعزيز حالة من التوازن في علاقات العراق مع دول الجوار والدول العربية وانهاء حالة الاخلال بهذا التوازن التي فرضتها الظروف المعقدة التي مر بها العراق وأفقدته القدرة على تجاوز تلك الحالة من الخلل ، ولمصلحة الجميع.
- اتساع حجم المصالح والمنافع المتبادلة والمشتركة التي سيحققها العراق والدول العربية من التطبيع الواسع للعلاقات بينهما.
- تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق على الصعيد الامني والاستخباري لاسيما مكافحة الارهاب والفكر المتطرف التكفيري ، وبما يحقق قدراً اكبر من الأمن والاستقرار للعراق وشعبه ولشعوب وبلدان المنطقة العربية وكذلك لكل من ايران وتركيا وشعبيهما .