كيف تقرأ الرواية؟

ثقافة 2021/09/07
...

ياسين النصير
 
 قد يقول قارئ لماذا تبتدئ بالسؤال عن قراءة الرواية، وأنت لم تتحدث بعد عن العلاقة بين الرواية والإنسان، الرواية والريف، الرواية والمدينة، الرواية والحياة اليومية، الرواية والحداثة، الرواية والفلسفة....الخ، فكل هذه الميادين لا تظهر إلا من خلال قراءة الرواية، هكذا قال فرويد اني قرأت علم النفس من قراءتي لرواية الجريمة والعقاب لدستوفيسكي، قد اختلف بعض الشيء مع أي قارئ يشتري رواية من دون معرفة هويتها والبلد الذي انتج سرديتها، لأقول له أن القراءة فن، لا تختلف عن فن الكتابة، صحيح أننا نقرأ الرواية من صفحة الغلاف وحتى الغلاف الأخير، ولكن الأصح أن تكون لدينا طريقة أو طرائق لقراءة الرواية مختلفة عن قراءة اي نوع آخر، فالقراءة ترتبط بنوعية المقروء، لا يصح ان تقرأ الرواية كما تقرأ الشعر، قراءة الرواية لها قواعدها وطرائق تنفيذها، ولها أشكالها، «قراءة رواية لبروست او دستوفيسكي أو فوكنر» تختلف عن قراءة رواية لديكنز ومارلو وتولستوي، كما أن القراءة في محطات الترام وعربات القطار مختلفة عن القراءة في المكتبة أو البيت، لذلك لا بد من قواعد لا تتصل بأمكنة القراءة وأزمنتها فقط، بل بالكيفية التي تكون عليها القراءة نفسها عندما تجد ثمة روابط غير مرئية بينك والرواية المقروءة.. وهذا هو المشكل الذي يجعلنا نقرأ أحيانا من دون أن نفهم ما نقرؤه، لأن القراءة فن، كل فن له قواعده، فعلينا أن نأتي قراءة الرواية ونحن مسلحون بفن القراءة الخاصة بالرواية، وعندما نشاهد مسرحية علينا أن نقرأها قراءة ونحن مسلحون بفن المسرح، وهكذا بقية القراءات.
القراءة قضم، وهذا ما يجعل الكتاب طعامًا، والقراءة هضم وهذا ما يجعلها مادة للحياة، والقراءة اكتشاف الطريق وهذا ما يجعلها سفرة في العقول، والقراءة فهم للعالم وهذا ما يجعل المقروء عملا فلسفيا، وهكذا نجد القراءة طريقة لفهم العالم.
أحيل القارئ الى الدراسة المهمة التي كتبها الناقد والمترجم الدكتور أمجد حسين ونشر الجزء الاول منها في جريدة المدى، بعنوان قراءة الرواية، ففيها ما يعني اي قارئ يبحث عن الكيفية التي يقرأ بها الرواية، ولن اقتبس منها شيئا فهي نص مكتمل ويقرأ كاملا كما لو ان هذه الدراسة مفاتيح لاقفال الرواية بأنواعها.
وثمة قرارات أخرى، مايكل ريفاتير يقرأ القصيد كما يريد ان يكون ناقدا لها، قراءة استكشافية اولى يستكشف القارئ محتويات القصيدة او الرواية، ثم قراءة استرجاعية للنص يكتشف فيها مرجعيات المقروء، ثم قراءة نقدية تحليلية، وهذا يعني ان اي نص مهما كان يقرأ ثلاث قراءات في الأقل كي يقف القارئ على ما يحتويه.
ولن اتحدث عن القراءات الاخرى، القراءة السريعة والقراءة الأفقية والقراءة العمودية، فقد ارتبطت هذه القراءات بثقافات الشعوب وبطرائق الاستقبال. مهمتنا في هذه العجالة، القول ليست قراءة الرواية إلا اكتشاف لمدينة مجهولة مشيدة بالكلمات.
كتب الدكتور الناقد الدكتور أمجد حسين مقالة بجزأين في جريدة المدى عن «كيف نقرأ؟»، ومن الصعوبة نقل المقالين لانهما سبكتا بوحدة بنائية تجعل كل فقرة فيها امثولة، ولذلك اكتفي بالاشارة إلى هذه المقالة الرائدة في النقد. واقتبس مطلعها « لنبدأ بالأساسيات: هل قراءة الرواية شبيهة بقراءة أي جنس أدبي آخر؟، هل يصح تعميم قراءة رواية على قراءة رواية أخرى؟، هل يصح أن تقاس (الحرب والسلام) بـ (يوليسيس)، أو (مثقفو) سيمون دو بوفوار بـ (دون) شولوخوف (الهادئ)؟ حتى ضمن روايات لورنس نفسه، أمن الجائز أن نستعمل على (الطاووس الأبيض – 1911) وحدة القياس نفسها المستعملة على (عشيق الليدي تشاترلي – 1928)؟ (جريدة المدى ليوم 2 - 5 - 2015، عدد 3352.).