قانون لجرائم المعلوماتية

آراء 2019/02/27
...

سالم مشكور
 
ظاهرة الجيوش الالكترونية باتت أمراً واقعاً ومكشوفاً. حسابات مموهة بصور وأسماء وهمية، لكن عائديتها تتضح من اتجاه خطابها أو شتائمها واتهاماتها التي تتعدى كل الحدود الأخلاقية والمعايير المتبعة في وسائل الاعلام العادية. ليس وجود هذه الجيوش أمراً سيئاً بذاته إنما السوء يكمن في المضمون، وانعكاس خطابات بعض الصفحات على الامن العام والوعي العام فضلا عن كرامات الناس وخصوصياتهم. هناك أيضا صفحات فردية يتم من خلالها ابتزاز الناس والتعدي على الكرامات. في كل البلدان هناك قوانين تنظّم الخطاب الإعلامي وتضع له المعايير التي تجعل منه أداة بناء للبلاد والعباد وليست أداة هدم ومساس بالأمن والاستقرار والخصوصيات الفردية. في كثير من الدول توجد اليوم قوانين للجرائم الالكترونية التي تعرف بجرائم المعلوماتية، بعدما أصبح هذا المجال ساحة حرب وتسقيط وإساءات جمعية وفردية. في العراق يغيب هذا القانون حتى الان، والمحاكم عاجزة عن الحكم في انتهاكات وجرائم تتم باستخدام الشبكة العنكبوتية لغياب القانون الذي يحكمها، بناء على قاعدة «لا جريمة ولا عقوبة بدون قانون». كثيرون يتخوفون من قانون كهذا تحسباً للتوسع في تفسير مواده الى الحد الذي يشكل تكميماً للأفواه ومصادرة للحريات التي حرم منها العراقيون عقوداً طويلة. لكن ليس مجرد وجود القانون يعتبر مبررا كافياً للقلق، فقانون العقوبات موجود ومواده تعاقب من يرتكب الجريمة من دون أن يصادر الحريات. المهم ما هو مضمون القانون الذي يراد تشريعه.
منذ سنوات ومسودة قانون جرائم المعلوماتية مطروحة للنقاش، ولأكثر من مرة تسحب المسودة من البرلمان لتعديلها. هي مسودة كتبت تحت وطأة الاضطراب الأمني منذ العام 2006 وما تلاه، فجاءت متشددة وقاسية في احكامها، وعامة في مصطلحاتها التي قد تخضع للتأويل بصور عدة وفق مزاج وتوجهات المعنيين. لكن الجرائم التي تنفذ باستخدام الشبكة العنكبوتية وخصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي تزايدت بشكل كبير مما جعل اصدار هذا القانون ضرورة ملحة للحفاظ على دماء الناس وأعراضهم وخصوصياتهم.
نحتاج الى قانون جرائم المعلوماتية من أجل حماية الناس، وليس لتقييد الحريات، والمشرع يتحمل مسؤولية ضبط هذا التوازن وتضمينه نصوصاً واضحة لا تخضع للتأويل والتفسير المزاجي. الأهم من ذلك أن تتوفر قوة تطبيق هذا القانون، فكثيراً من القوانين جرى إقرارها إلّا انها طويت في زوايا المكاتب لانها تخالف رغبة هذه أو تلك من جهات التأثير في الأداء الرسمي.