حسين العادلي
• حذار من التطرف وطرائقه واشتغالاته، فلا استقرار إلاّ بدحره، ولن يُدحر إلاّ بدحر نواة اشتغالاته التي ترتكز على ثلاثي: الآيديولوجيا/الفوضى/السلطة، فآيديولوجيته عصبوية بسيطة منغلقة ورمزية مكثّفة قادرة على الإيهام السريع والسطحي، والفوضى تمنحه هدم المجتمعات فالنفوذ، والسلطة تمنحه قوة الهيمنة فالاستيطان.
• يشتغل التطرف على اختطاف الدين من خلال أدلجته وفق قراءته وصولاً لادعاء الإيمان النقي واحتكار الحقيقة والمقدس، فيقود الاحتكار بالضرورة الى التكفير ورفض المخالف لحمله على الإذعان، فلا تعددية للقراءات ولا تعايش مشترك. إنَّ التطرف يشتغل على الاختلاف لخلق الخلاف وتعميقه بين الأديان والمذاهب والثقافات، فهو هنا يشتغل على التناشز وتنشيط غرائز التميّز على أساس (الحقيقة).
• يعتمد التطرف أنساقاً دائمة من التمايز/التوتر/العنف/الفوضى لزعزعة سياق المجتمع ونظام الدولة لإعادة إنتاجهما وفق معاييره وأهدافه، لذا تراه يستخدم التناشز/الكراهية/العنف/الإرهاب/التوحش كأدوات تعمق الاختلاف/الخلاف بين المكونات الدينية والإثنية لضرب وحدة المجتمع والدولة ولخلق الجبهات الدينية/المذهبية/المجتمعية وتعبئتها ضد الأخرى. إنّ العنف والعنف المضاد خير وسيلة لخلق التعصب والتحفّز ضد الآخر، وهو أقصر طريق لمصادرة العقلانية لصالح العواطف الواهمة التي تستثيرها مجموعات التطرف.
• كما تشتغل قوى التطرف على التأصيل والتأويل العقدي على مستوى الهوية، تشتغل كذلك على تأصيل الصراع/الجدل الثقافي الحضاري لجعله حرب هويات، فتجهد أن تكون تعبيراً وحيداً عن (أنا) الهوية، ثم أداتها الضاربة بالصراع العنفي الدموي داخل (أنا) الأمّة وبين (أنوات) الأمم، لتصبح بالتبع أداة توازن للرعب في صراع الهويات، ولتتمكن بالنتيجة أن تكون جزءاً من لعبة الصراعات الإقليمية الدولية لتدخل في عمق نسيج الأجندات المتصارعة فتستفيد من جميع تناقضاته لتتحول من حركات بيئية محدودة إلى عالمية منتشرة من خلال الحروب بالوكالة والتوظيف المتبادل للعنف لأهداف
ستراتيجية.
• قوة وضعف التطرف مرتبطان بشكل كبير بمشروع الدولة السياسي المجتمعي الاقتصادي الثقافي التربوي الحضاري، فاشتغالاته مرتبطة جدلياً بنجاح/فشل/ضعف مشروع الدولة كبنية وإدارة وسياسات، ومرتبطة بمديات حضور بُعد الدولة في ذهن وسياسة إدارة الصراع مع القوى المضادة للدولة (الإرهابية والعنفية والتخريبية والفاسدة) التي تريد امتلاك الدولة،.. من هنا نرى أنَّ حركات التطرف تشتغل بالصميم على إشاعة استنفاد الطاقة الكامنة في مبادئ الدولة (المواطنة/الديمقراطية/المدنية)، وتعمل على طرح الممانعة التاريخية المتأتية من الأنا الدينية/الثقافية كمصد لإفشال مبادىء الدولة أو إفراغها من محتواها. وكلما قوي مشروع الدولة وتجذرت المدنية، انحسرت آيديولوجيات التطرف والتوحش والتخريب، من هنا نرى أنَّ التطرف لم يستطع مثلاً التجذّر والتوسع في المجتمعات المدنية أو تلك التي شهدت بنى راسخة للدولة أو تلك التي لا تستقطبها الذاكرة التاريخية الدينية المذهبية الصراعية..الخ وبقيت معزولة ومنبوذة رغم المشتركات العقدية والثقافية مع بيئتها، بينما نجحت بالاستيطان والانتشار في المجتمعات التي انهارت فيها الدولة أو فشلت بإعادة إنتاج نفسها أو تلك التي لم تشهد جوهراً مدنياً في بنية مجتمعاتها أو تلك المستقطَبة بفعل الذاكرة والانتماء والولاء الهوياتي أو تلك التي غدت ساحة استلاب للأجندات الدولية.
• نجاح مشروع الدولة الوطنية سياسياً اقتصادياً ثقافياً حضارياً، وإطفاء بؤر التوتر بالمنطقة، وتشكيل جبهات أممية ضد اشتغالات قوى التطرف، لهي مصدات تضمن الاستقرار والتعايش والسلام.