في مديح صانع الحكايات

ثقافة 2021/09/07
...

  يوسف محسن 
 
يفكر جوناثان غوتشل في كتابه (الحيوان الحكّاء: كيف تجعل منا الحكايات بشرا؟)، وهو كتاب بارع يركز على دور السرديات المخيالية التي ينتجها البشر والتي تعكس طبيعة تحولات وجودنا البشري على هذ الارض، إذ يعد القص والسرد الثقافي والحكايات والأسطورة جوهر الوجود والأديان والثقافات والقصص والتخيلات والأحلام التي هي شكل من أشكال المحفوظات المقدسة في الذاكرة الثقافية، فقد استمرت السرديات القصصية ترافق الأديان وتاريخ الإنسان من خلال الغناء الشعبي، الملاحم، المسرح، السينما والرواية. وهي مزيج من الأنساق المخيالية والواقعية، فالمعلومات المجمعة من القصص التخييلية الأدبية تختلط مع غيرها في حقل العقل وليس هناك حدود فاصلة بين تلك وتلك. إذ شكلت الروايات الميثولوجية التي اختزنتها الحضارات القديمة بوصفها حقائق تاريخية وتمثل وعيهما الجمالي التخييل في تمجيد الرموز والطبيعة اللامحدودة التي يصنعها المخيال الاجتماعي، والماثلة في اللاشعور الخفي، إذ كانت وظيفة الصانع الاول للأساطير (هي حكاية تعيد الحياة إلى حقيقة أصلية)، تستجيب لحاجة دينية ووجودية عميقة، وتطلعات أخلاقية. الكتاب يدرس الأساطير الخارقة للطبيعة التي تؤدي وظيفة جامعة في المجتمع، فضلا عن الاساطير المبتكرة والحكايات الوطنية والقومية التي تؤدي وظائف متعددة في لحظات التصدعات والتشققات الوطنية ويعتمد فيها الاسطرة، والحكايات الجمعية، كي يبدو التاريخ (قصة توحد أفراد المجتمع معا). جوناثان يرى ان ذواتنا (تتكون من القصص الحية وتجدِد نفسها في كل يوم بالغذاء الذي تزوده لها حواسنا، إذ تبقى تلك القصص مرافقة دائمة لنا مهما كبرنا في السن، نعيش بها، ننتمي لأنفسنا ونصنع ذواتنا من خلالها، نشكل هويتنا وانتماءاتنا، ونصنع حدودنا ونحدد ردود أفعالنا باستخدامها). السؤال الرئيس الذي طرحه جوناثان غوتشل في كتابه وهو كيف تجعل منا الحكايات بشرا؟، ان تناقل الأساطير والأديان وتناقل أخبار التاريخ، وظهور وظيفة الحكواتي وتطور أنواع من السرد، (فنحن نقوم باختلاق الحكايات في الأدب والسينما والمسلسلات والمسرحيات وحتى السيرة الذاتية قصّة الحياة (أسطورة شخصية) تتعلق بمن نكون في أعماقنا، إذ نجد في اي مجتمع بشري او جماعة يقوم الحكّائون بتأليف اساطير للنشوء وملحمة لنهاية البشر، يستحضرون الآلهة والجن لملء الفراغ التفسيري)، فمن خلال ايجاد سردية مشتركة تحكي قصصا دينية حول الخلق ونهاية الإنسان، وقصص تاريخية وقومية وبطولات وأساطير. إذ إنه من خلال حكاية الذكريات والتاريخ الشخصي تصنع الهوية والأنا والشعور بالسيطرة ويتم إضفاء المقدّس على القصص الكبيرة وحتى القصص الوطنية كي يحافظ المجتمع والجماعات على
التوازن.