التحبيك السردي والتركيز على الحدث

ثقافة 2021/09/09
...

 علوان السلمان
  
   القص القصير.. نشاط فكري وجمالي يقتنص اللحظة باستغراق اليومي مع غوص في عمق الاشياء واستنطاقها بوعي معرفي يستفز الطاقة الذهنية لمتلقيها
ويحركها.. 
  والمجموعة القصصية (لغة الارض) بنصوصها الاربعة عشرة تفردت باحتضانها الوجود بكل اشيائه وضمته بين جوانحها بكل تناقضاته، والتي نسجت عوالمها النصية انامل القاص علي حسين عبيد.. لتفردها بحيازتها جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي الدورة التاسعة /2018.. ولتميزها بحمولاتها الاجتماعية والنفسية واشتغالات منتجها على تيمات حكائية متعددة داخل النسج السردي، فخلق عالما مليئا بالمفارقات المتشابكة التي تقوم على المتناقضات المتصارعة بحركة دينامية لا تعرف السكون بانفتاحها على واقع متعدد الشرائح الاجتماعية.. ابتداء من العنوان المؤنسن والعلامة السيميائية التي شكلت على مستوى الدال بفونيميها نسقا لغويا تمثل في جملة اسمية دالة على الثبات والوصف مبنية على علامة اسنادية بين مسند (مبتدأ محذوف تقديره (هذه) ومسند اليه (خبر) مضاف، شكلا عنصرا من عناصر تشكيل الدلالة المتوهجة ونافذة رؤيوية منحت المستهلك (المتلقي) وعيا مضافا بما يحمله من طاقة ايحائية تشده للولوج في عوالم النص وسبر اغواره واستنطاقه من اجل حل شفراته..
(بدأ الانين خفيضا مكتوما مليئا بالرجاء، في البداية لم انتبه لمصدره او نبرته.. ربما يتماوج من مكان بعيد، هكذا خيل الي، لكنني اعرف هذا الصوت واعرف مصدره انه جزء مني.. ومع ان الجميع يئن ويتوجع هذه الايام، واننا اعتدنا الانين منذ سنوات موغلة بالقدم، لكن هذا الانين يضرب اعماق روحي، ويصفع سويداء قلبي..) ص7
    فالنص يتميز بالتحبيك السردي من خلال التركيز على الحدث والتعاطي مع المؤثرات الزمكانية المحددة بنسقية الافعال والشخوص، فضلا عن ان المنتج (القاص) يبني نصه الذي هو حدث تتوافر فيه معايير فنية على المستوى الموضوعي والذاتي على امتداد الهاجس النفسي المشكل للمشهد من خلال تداعي الزمن في الذاكرة مع توظيف الحوار الذي هو (نمط من التواصل القائم على اساس التبادل والتعاقب على الارسال والاستلام) بشقيه الذاتي(المونولوجي) والموضوعي (الواقعي)، بسمة مشهدية تعبر عن مظاهر الصراع الفكري، فضلا عن انه يزاوج بين الفضاء المغلق والمفتوح بقصدية التضاد، فضلا عن اعتماده تشظي الحدث مع اضفاء عنصر الادهاش بفضل ما حوته بعض النصوص من الاستبصار والاستشراف لما سيكون، فضلا عن ان  النص يعتمد مستويين من الاحساس: اولهما الاحساس بالزمن الذي هو (معطى موضوعي سابق لحركة الانسان وفعله ورؤيته)، وثانيهما الاحساس بالآخر الذي يعني الانتقال من الذاتي الى الموضوعي.. كون الذات المنتجة جزءا من الوجود الكوني، لارتباطهما جدليا.. فضلا عن اعتماد المنتج (القاص) تقنيتي الاسترجاع والاستذكار الذين من خلالهما يسير شريط الذكريات والتذكر فيفرغ من خلالهما هواجسه السردية الخاضعة للتحبيك السردي من خلال التركيز على الحدث والتعاطي مع المؤثرات الزمكانية المحددة بنسقية الافعال
والشخوص...
وبذلك يقدم القاص نصوصا سردية سابحة بين عمق الرؤية وجمال التشكيل، مع اشتغال على تيمات حكائية منتزعة من الواقع الاجتماعي وصراعاته داخل نسجه السردي فرسم بذلك فضاء غير محدود وعالما مكتظا بالمفارقات المتشابكة مع تأكيد على البنية المكانية المؤطرة للسرد الموسوم بالتنوع ضمن رؤية فكرية تحققها شخوصه المنحدرة من شرائح اجتماعية متفاوتة تشعر بالاغتراب والضياع
الوجودي.