توصيات ومقترحات لا يؤخذ بها

الصفحة الاخيرة 2021/09/13
...

  د. صالح الصحن 
في كل رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه هناك مقترحات وتوصيات يدونها الباحث لكي يؤخذ بها لتطوير الفعل السينمائي أو الجانب الذي تناوله البحث، لكن لا يتم الأخذ بها رغم أهميتها، وبمجرد انتهاء مناقشة الباحث وقبول البحث، توضع هذه التوصيات والمقترحات على الرفوف.
  تتناول الأدبيات الجمالية موضوع السينما على أنها {فن وصناعة}، وهذا ما أثبتته التجارب الفيلمية البارعة، وقد نجد احيانا توصيفا آخر بعبارة {العلوم السينمائية} أو {حرفيات السينما} وغيرها، وذلك ما يحفزنا لمشاهدة سحر هذا العالم {السينمائي}، الذي اكتسب أهمية عليا في الاوساط الثقافية والفنية، والذي استحق لقب {الفن السابع}، 
فالسينما نشاط ابداعي، بوصفه فكريا وجماليا، لا غبار عليه، وهو مركب سمعي بصري يحمل حكاية تجسدها الشخصيات، ويحتمل تصميم الاشكال والتكوينات والحركات والتقنيات، والعلامات وما إلى ذلك من عناصر فاعلة، أثمرت عن إنتاج روائع السينما الخالدة، من افلام شهيرة وجديرة بالتحليل والتفسير والتشريع، بعد أن نالت اهتمام كبار المنظرين والمفكرين والباحثين، بحيث وصلت إلى مستويات متقدمة في اغلب دول العالم، وسجلت علامات مثيرة في الابهار والدهشة الفائقة.
 واذا ما أجرينا مقارنة بين السينما المحلية في البلاد وما يجري في العالم، نجد أن هناك مسافة طويلة، قد لا نقترب إليها بسهولة، بحيث يصعب اللحاق بما نطمح له من مستوى ارقى وافضل، الأمر الذي يدعونا للحاجة والبحث عن أية خطوة من شأنها أن تسهم في النهضة والتطوير، والاقتراب من هذا الكوكب السينمائي المشع، ومن هذه الزاوية، نجد أن القطاع العلمي الأكاديمي المعرفي على مستوى الدراسات العليا المتقدمة في العالم، قطع شوطا كبيرا في تقديم الأبحاث والنظريات والدراسات الفلسفية والجمالية والحرفية، وبما انعكس ايجابيا على جودة المنجز السينمائي العالمي، المحمل بعناصر الاشتغال المتقن، وهذا ما نطمح له أن يسود في مؤسساتنا المعرفية والميدانية العملية، فالجانب التعليمي المحلي في البلاد عبر كليات الفنون الجميلة، له كبير الاهتمام بإنتاج العديد من البحوث والدراسات المختلفة المتمثلة بحلقات الدراسة في الماجستير والدكتوراه، والتي تتصدى لمشكلات مهمة في العمل السينمائي والانتاج التلفزيوني، وتتفاوت النظرة إلى معاهد وكليات الفنون ومستوى التعليم، والقدرة على الإنتاج، ورغم أنها مؤسسات معرفية تعليمية وتطبيقية، الا انها أنجبت العديد من المهارات والنجوم والمبدعين بمختلف الاختصاصات في قطاع السينما، ويقول المخرج كوانتين تارانتينو {عندما يسألني الناس هل ذهبت إلى معهد السينما، أخبرهم إني ذهبت إلى السينما}، وهو بمعنى الثقة الكبيرة في هذا المعهد الذي تتجسد فيه كلمة {سينما}، ولكن هل ان ما يجري في مؤسساتنا المعرفية و تجاربنا السينمائية المحلية، قائم على وفق منهج التنسيق بين المؤسسة (التعليمية، ومؤسسات الانتاج)؟. 
ولأننا نعرف وبأعلى اعتقاد، بعدم وجود مثل هذا التنسيق، لهذا نثير التساؤل، ما فائدة وتأثير هذه البحوث والدراسات المعرفية التعليمية، على القطاع العملي الميداني في السينما؟ وهل سجلت الوقائع المعرفية أو الميدانية، يوما ما ان بحثا ما أو دراسة أو اطروحة كانت محل اهتمام دائرة سينمائية، او شركة إنتاج قطاع خاص، او فريق عمل سينمائي أو أية ورشة تطبيقية في صناعة الأفلام؟ ولهذا نقول، وعلى مدى عقود كثيرة من عمر كليات الفنون، تكتب رسائل الماجستير، وأطاريح الدكتوراه، في تخصصات السينما والتلفزيون، على وفق الاشتراطات العلمية المنهجية، في أصول البحث العلمي، وتكاد تقترب من نزعة الحرص والاهتمام بضرورة تطوير وتأهيل قطاع السينما بمستوى أفضل، ويمكن التوقف عند الفصل الأخير في رسالة أو اطروحة اي باحث، حيث الفقرات المتعلقة بالتوصيات والمقترحات، وهي فقرات، يكون فيها الباحث ملزما بتقديم مقترحاته وتوصياته في الموضوع الذي يكتب عنه، وعلى مدى فترات زمنية طويلة لا تقل عن عشرين سنة، لو جمعنا هذه المقترحات والتوصيات، نجد فيها ما هو مفيد جدا، وما هو غير نافع، ولكن المشكلة ان هذه المقترحات والتوصيات تذهب إلى رفوف الارشيف في المكتبات، بعد الانتهاء من إجراء المناقشة المخصصة لها، وان ما يثير الاستفهام أكثر، ان اغلب الأقسام السينمائية، بما في ذلك القسم العلمي الرئيس في الكليات، ليس لديها أي اهتمام او خطة، او برنامج عملي يعني بفرز هذه التوصيات أو المقترحات وإعادة دراستها وتفعيلها وتوصيلها إلى الجهات ذات العلاقة وفق اسلوب التنسيق العالمي الذي أشرنا اليه، وهو من سمات التفاعل الإيجابي الحيوي بين المؤسسة التعليمية والمؤسسة التنفيذية التطبيقية العملية لقطاع السينما، والا ما فائدة أكثر من ٥٠٠ مقترح وتوصية، بعضها للتطوير المعرفي العلمي وبعضها يهدف لتطوير العمل السينمائي في البلاد، وكلها على مدى عقود زمنية طويلة، مثبتة في الرسائل والأطاريح وهي ترقد في رفوف سينمائية صامتة، من دون تفعيل، وأخذ بعين الاهتمام.