العناصر الأنثويَّة في الشَّر الأخير

ثقافة 2021/09/13
...

 ناجح المعموري
 
يا للأنوثة في زمن الحرب من نغمة مدهشة 
كائن تسمع ضحكة طفل هنالك في موضع الموت... فتصحو الأنوثة.
يا للأنوثة في زمن الحرب من ضحكة مدهشة/ ص 186.
 
الأنوثة طاقة كبرى مضادة قوة وقسوة الحرب، التي تأكل الأخضر واليابس. الأنثى ملاك الحقيقة والتذكرات والاحلام «ركزت هي على سليم اليوم عينين ماهرتين في عمقهما واحتفائهما به. لقد وضعته في المركز بعد الضياع في الهوامش هدم قواعد وجوده. ترك اللقاء أثراً عذباً عذوبة التين الأسود المطبوخ.
الذوبان بالشمس عذوبة ظلت تلازمه حيث كان يداهمها طعمها وهو متكوم على كرسيه الدوار امام شاشة المدى في الرادار.. إن عالمه بأسره مفخخ وموحش، لكن تلك العذوبة الفريدة التي اطلقها حوار يدّعي الرغبة في الامل ظلت حاضرة عامرة بالرغم من ان شيئاً من وقائع حياته ــ عدا هدى لم يقدم لها المبرر. ذكرته تلك العذوبة بما تركت قبله بيانكا في فمه من طعم لذيذ ظل يلازمه لأسابيع بعدها كان المعسكر يومها في المحاويل وكانت هاوية ديزفول بانتظاره. ولم يصدق يوماً ان الهاوية يمكن ان تنغلق على هاوية أخطر»/ ص188.
في رواية (الشر الأخير في الصندوق) للروائي فلاح رحيم. السرد حلم يمتد نحو الماضي. ويركض سيرورة جديدة واستعادة سليم لحلم اليقظة «المشاهدة» لبيانكا لا تعني استذكار ماضٍ فيه محكيات أنثوية، دخل اليها سليم وبعد زمن طويل ظل يستطيب عسل الأنثى وعذوبة الشفتين وما تركته بيانكا في فمه «من طعم لذيذ ظل يلازمه لأسابيع بعدها» ص 186.
تكرّست ثنائية سليم وهدى وواضح بأن أماني حققت نجاحاً، لكن هدى معطلة. والامر خطير للغاية، ولماذا ذهب سليم الى عطلات الأنثى؟ إنها الحرب، حتى انعام من معطلات الحرب، ولها سرديات لاحقة نحن بانتظارها. الأناث اللاتي اجتمعن باستثناء بيانكا ــ وربما يلتقيها سليم ــ عن ابتكارات السرد، لان بيانكا، حلم
سردي. 
كل واحدة منهن مفجوعة والترويض يمنح ذاكرة السرد/ الانثى بالتدريج، كي تجد كل واحدة صوتاً ومخيالا مساعداً لمنح كل واحدة ما تريد من حلم التينة. التي ظلت لحظتها حاضرة باستعادة سردية هدى. لقد اكتشف سليم ان هدى اصبحت جزءاً من برنامج النزول وقادها هوس النزول صعوداً. إنه خبل هيمن عليها، لانها خسرت كل شيء، ولم يبق لها غير سليم أو ما يشبه الوهم. الاناث مناحات بسبب الزوال وندب لن يتعطل، لان معاودة الشعور بالنكبة تضاعف الفقدان وخسارة العقل، ولم يبق للأنثى إلا الكلام وهي بذلك تستحضر تاريخ السرد البدئي الذي تعرفت عليه الانثى وكيفية انتصارها عبر محكياتها على الخوف والخذلان. 
سيظل نقصان الحلم سبباً توسلياً للتعرف على حياة مغايرة، مختلفة تعبيراً من خلاله عن المنشغل به حياتياً والحاجة القصوى له. وفيه تمثيل لا واعٍ عن جدل التناقض المألوف. في اليومي والضاغط بقوة وقسوة. واشارة لملحمة للحلم كوحدة سردية وتكرره بفاعلية كان تأثيرها جوهرياً وايضا الحلم نوع من ضغط اللاوعي، المحقق لضبط وانسجام في آلية تشكله، واجد ضرورة حضور الانثى في الحلمين، الحلم الاول طوفان دلالي وشهوي لعبت فيه الرموز دورها التقليدي بالأدب. واعتقد بأن الحلم الثاني ينطوي على تعويض للخسارة التي نهضت بالعقل قبلاً، لكن السلطة غير مغادرة
الامكنة. 
والعلاقة بين هدى وحارث عطلت الحلم الجوهري ونشأت لحظة الاحساس بالخسران، وهذا ما اعترف به سليم عندما قال بانه سيكون شخصاً هو الذي حلم ان يكون ليس في سليم ما قبل الحرب ما يدعوه الى الخجل من نفسه، كان راضياً عن نفسه وعن المستقبل يومها. لم يكن ليدرك هذا لولا حديثه مع هدى التي بعثت سليم الامس عندما ركزت هي على سليم/
ص179.
سليم حالم إذن، ولا بد ان يكون الانسان هكذا، لكن حلمه الاول مغاير غذى حياته بالخوف والقلق والملاحقة... حتى توصل الان الى العطل الذي جعل من العقل ضعيف الحكمة وغير قادر على استمرار المقاومة التي كانت سابقاً وارتسمت الحياة امامه بــ «احلام اليقظة» ــ المشاهدة ــ سوداء وكأنها غيمة مطاردة له في كل الامكنة، حتى في
البيت.
كان في نبرة انعام تساؤل وقلق لم يكشف عنهما في حوارها مع والدتها امس. 
ــ أتمنى هذا. ما أحوال الوالدة؟
- منذ تسلّمت الاستدعاء وضغطها مرتفع والربو شديد عليها.
ــ أين هي الان؟
ــ في فراشها
قام الى غرفة المخزن وأطل على فضاء معتم يطبق عليه حر خانق لا تحرك مقاومته سوى مروحة سقفية/ 189.