لكِ قميص مشجر.. ولي قبعة وعكازة

ثقافة 2021/09/15
...

 حميد حسن جعفر
 
ثمة خسائر فاتنة لا بد منها، كأن أكون أحد قتلى حربكِ، التي تشبه اقترانك بأحد أركان حرب ما، أو أن تجعلي مني، ومنذ عقودٍ الكركدن الذي دخل غابتك ولم يخرج منها، الكركدن الذي تحتفين بهيئته، سأستمرُ بمحاولاتي بأن أُقيم لكِ حديقة من أعضائي، وأدفعُ بها الى الجهة الشمالية من جسدكِ، خسائر ما أقدمتُ في يوم ما أن تكون من حصة بائع الدجاج الجوال، أو أحد وكلاء الشركة العامة للسيارات، خسائر قد تحسبينها في يوم ما أوراماً حميدة، كأُمور عابرة غير ذات تأثير بالنسبة لأطفال ما زلنا نفكر بكيفية تربيتهم.. قد تكون ما تشبه الأرباح التي تأتي كناتجٍ عرضيٍ، حين يمر السابلة على ظلّينا اللذين تركناهما خلفنا، نشعرُ بأننا نمشي حفاة، إن بعض ملابسنا تُنزع عن جسدينا، فأمسكُ بكِ لندخل المقهى المخصص
للعوائل.. 
هناك طلبنا من النادلة، لكِ تنورة قصيرة وقميص مشجر، ولي قبعة بيضاء وعكازة، لم تكن القهوة مرةً، ولا الشاي باليانسون كما أشتهي، وما كان العالم كما تتصورين، مجموعة حروب تجلسٌ في مقهى، وتطلبُ شاياً بالبارود.. وتنادي على الندل الواحد تلو الآخر، تسألهم عن صنف المدفعية، وحين يفشلون في الحديث عن المحاربين الذين اعتادوا دفع تكاليف الاحتفاء بالنصر، وأثمان التصفيق، والهتافات، لتأخذهم تلك الحروب الى حضنها، ليحترقوا مع صالة البلياردو وغرفة التدخين، طاولتنا ما زالت خالية، وما زال الغبار يرسم على سطحها بيوتاً مهجورة، ومزارع يسكنها الجان، والبعض من الفاشلين في أن يقيموا علاقات جنسية مع التمثال، الذي اقترحت ان يكون شبيه الظل، أو قريباً مما تترك الحروب أمام مزارعي، وعلى معامل صنع الجبنة البيضاء الطرية، من أبقار تشبه مدمرة الدبابات الروسية bmbt، وأعلاف تبدو كرماد ديدان، الحروب لا يستهويها نهوضك الصباحي، أو أمطاركِ التي لم يتم التعامل معها وراثياً، وجلوسكِ تحت السقيفة التي تتقدم بيوت الرعاة، وهم يوقظون زوجاتهم داخل الناموسيات، إيّاكِ أن تتذكري العامل الزراعي، أو مشغلَ مضخة السقي، او الموظف الزراعي، وهو يحاولُ اصلاح دراجته النارية، أو المقاول الذي رممَ مدرسة الذرة الصفراء
المختلطة.
 كلّ هؤلاء قد تجدينهم حاضرين بين يديكِ قبل أن تشيري بضرورة حضور أيّ منهم، ولتطلعي على كُلف اصلاح حافلتي الصغيرة -سازوكي- التي لم أستطع أن أكبح جماحها، حين حاولتِ أن تعايني صبّاً مولهاً بسيدة عزباء، أو بأرملة، او حتى مطلقة، لولا عاصفة صبيانكِ لكنتُ في عداد المفقودين، أو قد تفترسني كلابكِ التي تطلقينها ليلاً، كنتِ حريصة جداً على أن أكونَ حيّاً أُرزَق، لأكون هدفا لما تطلقين من عيارات نارية بمناسبة زواج ابنك البكر، الذي كثيرا ما تدور تغريداتكِ حوله، كنتِ تلمحين وتشيرين لي شخصياً، كنتِ تقولين لي: هذا ولدكَ، ألا ترى فيه منكَ الكثير، شعره المجعد، جبهته العالية، شغفه بالأنثى، كلاكما ارضعته حتى بات فطامكما في عامين، منذ صغره وهو يبتزني كما أنتَ، حين تدخلني في العتمة.
 انتِ تتآمرين عليّ كما تتحالف الغابة مع اللصوص الذين يبتعدون عنها مسافة نصف محيط الكرة الأرضية.. لأكون سرَّكِ، ولتكن العتمة بعض ما يُنْسّب للعمى، فأنتِ في مأمن من التساؤلات، انها من شأنك فحسب، أملاكٌ غير معنية بالوارثين، إنه العقار الروحي الذي لا سلطة للمشاعية عليه، اِطمئني، وليكن خاطركِ طيباً، قولي ما تشائين، قولي إن غسالة الصحون نكثت بما وعدتني به، وإن أمانة العاصمة، أو المديرية العامة للطرق والجسور لم تكن مستعدة لإكساء الشارع بالإسفلت أو بالمقرنصات. ولهذا اعلنتُ خصوماتي للمديرية العامة للتقاعد والضمان الاجتماعي، ومعلم اللغة العربية يحاول أن يجعل من -كان وأخواتها- افعالاً غير ناقصة، وإن الإدارة ومعها المشرف التربوي كانت تغض الطرف عن تجاوزاته حين يحتفي بعيد الجيش نكاية بمديرية النجدة النهرية، أو حين يتركُ المدرسة قبل انتهاء الدوام الرسمي، ولهذا لا أعرف من جعل منه الطرف النقيض للمتبضع من الباعة الجوالين، أو تناول -الآيس كريم- من أشخاص غير مرخصين صحياً، وعلى الرغم من انه يدخن سجائرَ محلية الصنع، فإن دخانها لم يضطرني إلى عدم رضاي عنه، كنتِ القطة التي تضربُ على أنفها عندما تقترب من المدفأة لتشعر بأنوثتها.