ميادة سفر
لم تكن النظرة لجسد المرأة واحدة في كل المجتمعات، ففي حين أشارت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي «اعتاد الشرق أنْ يغطي نساءه، بينما اعتاد الغرب الكشف عنهن» بقي التباين قائماً حتى ضمن مجتمعات غربيَّة وشرقيَّة، قامت التظاهرات المنددة باستخدام المرأة في الإعلان والنظر إليها كجسدٍ مثيرٍ وجاذبٍ للانتباه ومروجٍ للمنتجات، ومن ضفة أخرى تحولت المرأة وجسدها إلى ملكيَّة خالصة للرجل في مجتمعات أخرى، غطاها ومنعها من الظهور لعقودٍ طويلة، تحكَّمَ بها وبمصيرها، هذا فضلاً عن تربية المرأة لتكون محط إعجاب الرجل، في تناقض أغرب من الخيال.
هنا حضر الجسد الأنثوي فكان أكبر مروج دعائي منذ أنْ بدأ التلفاز يغزو البيوت وازداد حضوراً مع انتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ بث كل ما من شأنه الترويج لأجمل صورة للمرأة لتنال رضا وإعجاب الرجل، فأي إعلان أو مادة دعائيَّة لن تلفت الأنظار إلا إذا استخدم الجسد في تقديمها.
وفي كل الأحوال كان جسد المرأة حاضراً سواء كان مغطى أو مكشوفاً، وعاشت المرأة تناقضاً كبيراً في حياتها وهو ما عبَّرتْ عنه نوال السعداوي في حديثها عن ثنائيَّة التغطي والتعري وسجن المرأة داخل مفهوم الجنس والجسد في قولها: «تعيش المرأة التناقض الاجتماعي بحدة، فهي يجب أنْ تكون باردة عفيفة طاهرة لا تحس الجنس، وهي يجب أنْ تكون أداة متعة وتشبع زوجها بالجنس حتى الثمالة، وجسدها عورة يجب إخفاؤه بمقاييس الأخلاق، وجسدها مباح يجب تعريته بمقياس الترويج التجاري والإعلانات عن البضائع. ولا أظن أنَّ هناك استغلالاً أشد من هذا الاستغلال، ولا امتهاناً أشد من هذا الامتهان اللذين تعيشهما المرأة، فهي تصبح فريسة بين قوتين متنازعتين متضاربتين كقطعة لحم بين فكين ضاريتين. وكل هذا طبيعي في مجتمع فقدت فيه المرأة مكونات شخصيتها وأفرغت من إنسانيتها وتحولت لشيء أو أداة. فهي تارة أداة للإعلان وهي تارة أداة للشراء والاستهلاك، وهي تارة أداة للإمتاع وخدمة الشهوات، وهي تارة وعاء للأطفال، وهي تارة سلعة تباع وتشترى في سوق الزواج».
يبدو أنّ ما تحدثت عنه السعدواي منذ عشرات السنوات في كتابها «المرأة والجنس» ما زال واقعاً تعيشه المرأة اليوم، والأفظع من هذا كله ليس موقف الرجل بل موقفها هي (المرأة) شخصياً من خلال قبولها ورضوخها بتقديم نفسها أداة استعراض، وهذا ما بيَّنه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي سيكولوجيا الإنسان المقهور) بحديثه عن قهر المرأة من خلال ما أطلق عليه مسمى (الاستلاب العقائدي)، يتحقق هذا الاستلاب من خلال تبني المرأة كل الأساطير والاختزالات التي يحيطها بها الرجل، فتتقبل مكانتها، ووضعيَّة القهر كجزءٍ من طبيعتها، وبالتالي تقتنع بدونيتها، وتفوق الرجل عليها، وتوقن أنها كائن قاصر، جاهل، ثرثار، وغيرها من أمور وقناعات تجعل منها عدوة لنفسها ولبني جنسها أيضاً، متواطئة على مصالحها الحقيقيَّة.
لن تتمكن النساء من الوقوف في وجه المجتمع إلا إذا اقتنعن أنهن قادرات على العمل والإنجاز من دون تقديم أي تنازلات، وحين يدرك المجتمع الذكوري أنَّ جسد المرأة ملكها وحدها ولا سلطان لأحد عليها فيه، تلبس ما تريد وبالطريقة التي تناسبها، على النساء انتزاع أجسادهن من براثن المجتمع المتخلف ومن عيون من نصبوا أنفسهم وكلاءً عنهن، عندها يستبعد تلقائياً الحديث عن الجسد وتغطيته أو تعريته، وتتحول وسائل الإعلام والإعلان من مخاطبة المرأة عبر استعراضها، إلى خطاب موجه إلى العقل والنظر إليهن كإنسان لا تقل قدراً وقيمة عن الرجل.