الروائي وصورته في الرواية

ثقافة 2021/09/15
...

  ابراهيم سبتي  
 
هل تكشف الرواية نوايا الكاتب وتوجهاته الفكرية وثقافته العامة؟، الاجابة عن هذا السؤال صعبة، وفيها كثير من التفرعات والأحاديث، وقد لا نتوصل الى القناعة التامة، إن أي روائي هو صنع بيئته ومجتمعه ومن ثم هو المرآة واليد الطولى والعقل المتمكن لعكس مجريات واقعه حسب رأيه اولا وقناعته، ويمكن ان يبالغ احيانا سلبا او ايجابا كي يظهر ما يكتبه بانه الحقيقة التي يبحث عنها المتلقي. وكثير من الكتابات الروائية، استلهمت ما يدور في الواقع مضافا اليه مكملات فنية ولغوية ليظهر بمظهر لائق ولكي لا يتهم بأنه صوّر الواقع تصويرا فوتوغرافيا بحتا. فضلا عن هذا، فإن الروائي يعكس أسلوب حياته وانفعالاته وطريقة تعامله مع الآخرين، في نصه الروائي وكأنه يعكس جانبه الشخصي على ابطاله ومن ثم يمكن التعرف على تلك السلوكيات ان عرفنا الروائي نفسه عن قرب. ولمّا كان أحدهم يتفوه على غيره بكلمات بعيدة عن الذوق او كان سلوكه غريبا وملفتا او كان لا يهتم بما ينتجه غيره ولا يقرأ لهم او إذا كان لا يطيق النقد الموجه له، فإنه سوف يكتب كل هذا في متن روايته على لسان شخصياته والصراع الذي يحبكه بينهم وهم يمثلون الخير الايجابي مرة والشر السلبي مرة اخرى، الى ان يصل الى خاتمة الصراع وحلّ عقدة التشابك بينهم وهو ما يريده في الواقع ويتمناه. ان هذا الانعكاس المباشر يؤدي غرضين تماما، الاول: ان الكاتب ينقل حرفيا ما يشعره ويحسّه في المحيط الاجتماعي من دون رتوش او تزويق.
والثاني: ان الروائي يهدف الى نقل تجربته الانسانية التي يعتقد هو انها جديرة بالنقل والانتشار. ولكن أكثر الزوايا التي يسلط عليها الكاتب الضوء في روايته، هو البطل، فنراه يبالغ في تصويره بمظهر العارف والمتحدي والمواجه الذي لا يهاب أي شيء امامه. فينفخ في صورته ويكثّف في تحديد ملامحه ويأخذه الى مدارات وأفق لا يصل اليها غيره، لأنه البطل الذي لا مثيل له ولا شبيه. 
إنها أمنيات الكاتب الشخصية والنفسية بان يكون هذا البطل المفترض هو نفسه ويمثله امام الورقة فيزيد من درجات تطوره ونموه باذلا السرد المنفتح والمشرع على ابوابه من دون حذر او خشية من ان يوصف
بالمبالغة. 
فنراه المتصدي للخصم والمتحدي له دون ان نجد اثرا لباقي الشخصيات التي قد تختفي او تترهل او تضعف امام سطوة البطل الذي أعطاه الكاتب كل الميزات الاعتبارية والنفسية ليكون صورة للكاتب نفسه تتحرك داخل النص وتعايش الاحداث وهو ما يريده. ان السرد الذي يبتدعه الروائي في نصه، يجب ان يلتزم بالخيال المطلق والحدث المحرك للمشاهد والانتقالات التي لا يحدّها المكان الذي يتحرك ويتغير هو الآخر.  
وانعكاس صورة الكاتب في السرد وخاصة الرواية، قد يحدث عفويا وبصورة تلقائية من دون قصد مسبق او تخطيط. لأنه من ثم يكون الكاتب هو القارئ الاول لعمله ولربما لا يكتشف انفعالاته واسقاطاته للوهلة الاولى في شخصياته من خلال خطابه الذي أعدّه لقراء آخرين وقد لا يعرفون سلوك الكاتب
الحياتي. 
إن الروائي هو انسان أولا وأخيرا ويشعر بالغضب والتوتر والغربة والانفعال واسقاطات الحياة، حاله حال جميع الناس ومن ثم فإنه ان وضع تجربته الحياتية بين ثنايا احدى شخصياته، فهذا ليس عيبا بنائيا او فنيا في الرواية. لان الشخوص يجب أن يحملوا هموم الناس ونوازعهم البشرية رغما عن الكاتب الذي يحاول أحيانا الابتعاد عن نقل تجاربه في سردياته ولكنه لا ينجح دائما.