أحبّك في حالاتك كلّها

ثقافة 2021/09/16
...

 عبد الصاحب محمد البطيحي 
 
كتاب حديث (طبع عام 2021)، يضم سبعين نصاً شعرياً متفاوتاً في الطول. يختزن العنوان نزعة صوفية، المراد منها رغبة الشاعر عيسى اسماعيل العبادي بالتعبير عن الوشيجة المتينة التي تربطه بواقعه الذي  يفترضه، ينفتح أمامه الفضاء الشعري بكل مكوناته، فهو ذلك المحب الذي تتنحى امام شجنه وحنانه كل
 العوائق.
الشعر مأخوذ من كلمة الشعور، أي الاحساس. وبهذا فهو يحاول الإيحاء ببعض الأحاسيس في ذات المتلقي، وهو وسيط يحقق السعادة للذات كما يحمل المتلقي على إدراك الرسالة التي يوجهها الشاعر. علينا أن نقر بأن هناك شعوراً صادقاً وآخر ينطلق من الادعاء، يجهد صاحبه أن يغلفه بألفاظ تثقل كاهل الشعر نفسه. 
 تفرز المشاعر الصادقة شعراً عميق المعنى، يدخل القلوب بلا استئذان، يتكئ على لغة خالية من ضبابية المعنى، تحفز القارئ على احتواء الفضاء الشعري والتمتع به.
 يرى البعض أن الشعر لا يحمل إلا معنى ما يظهر منه، واذا نحونا هذا النحو سنرى أن الشاعر هنا تتمثل أمام ناظريه حبيبته التي فتنته: (أنتِ/ طفلة كبرت،/ ليزداد الجمال طفولة وحناناً/ حين أحببتك/ لم أكن أنتظر/ سوى أن أحبك
أكثر).
غير أن هناك رأيا يذهب الى القول بان الأدب خاضع للتأويل الذي يؤشر لكل من الخزين المعرفي والذائقة عند القارئ، ومن ثم يكون للقارئ دور في متعة قراءة النص وحل رموزه، واذا اتجهنا بهذا الاتجاه نستطيع تأويل تشبب الشاعر بالحبيبة بما يفيد ان الحبيبة هذه هي رمز للوطن.      
ونحن الآن أمام مجموعة شعرية تنتمي الى عالم الوضوح في التعبير تغلفه عاطفة نبيلة تملأ قلب الشاعر، يلفظها خزين من حب الوطن الذي يخاطبه بصيغة المحب لحبيبته، يخاطبها: 
(معك/ أكون على موعد/ مع الورد). يخاطبها مرة ثانية: (لولاكِ/ الحياة/ الأمطار التي تتراقص/ في الطريق اليك/ الأغاني التي تملأ قلبي/ جميلة/ على الرغم/ من كل ما تحمله الحياة من الأسى). ثم يردف ذلك بالقول في مكان آخر: (كنتِ أنتِ/ وكان المطر/ وكان للكلمات عطر/ لا يشبه عطراً/ سوى عطرك).
وهي بدورها تستجيب: (مذ أنتَ أتيتَ/ صار لي قلب/ تارة يصخب وأخرى يهدأ/ صار لي ربيع.. وبيت)،  مما يعني من كل هذا أن لا حياة مستقرة ولا مشاعر تكمن في الدواخل من دون الالتصاق بالحبيب الرمز الذي يشارك المشاعر ذاتها. ومن فرط تعلق الحبيب بمحبوبه يدعي الشاعر لنفسه سلطة محببة تمنحه قدرة التحدث والإضاءة: (لن أدع/ وردكِ يهدأ/ سأجعله/ تارة يتحدث/ وأخرى
يضيء).
فيتلقى رجع الصدى عند المحبوبة الرمز بقولها: (لستَ بعيداً/ المسافات هي البعيدة/ أنت قربي/ بل أنت تسكنني/ فأنت العاشق/ وأنا العاشقة/ والمعشوقة
 الوحيدة).
يكتمل الاتحاد، يتشاركان المشاعر، يلتصق الشاعر بالمكان، وهو هنا بغداد التي يحبها في حالاتها كلها، فيظهر جلياً أن الحبيب هو الوطن، وهذا بدوره هو الحبيب: (تتسع الشوارع/ وينمو الربيع/ ويبدو الرصيف طيّعاً/ حين نمشي معاً). 
لا يستقيم عود بغداد إلا بالتآلف الاجتماعي ـ غير أنه لا ينسى أن يذكر أن بغداد هذه تلفها المتاهات على الرغم من جمالها: (ربما غبار بغداد أجمل/ حين نضيع معاً/ تأخذنا الطرقات الى حيث لا ندري/ ومن يدري كيف تمضي الحياة/ وسط هذا
 الرماد؟).    
هنا تمثل بغداد معلماً يضم في طياته سائر أنحاء الوطن، يخاطبها الشاعر، موحياً لها امتلاكها عناصر البقاء والزهو، هي باذخة في العطاء، لذا لا يليق بها كبح طموحها: (لا تجلسي وحدك/ أنت مخلوقة/ لأشم عطرك دائماً).. فليس لبغداد من مجد إلّا مجد
مواطنيها.