الشاعر سليمان العيسى في رسالة أدبيّة: كتبتُ بحبر الشمس أغلى قصائدي

ثقافة 2021/09/18
...

  عبدالرزاق الربيعي 
 
تنطوي الرسائل الأدبية على قيمة توثيقية، وثقافية، كونها تضيء مساحات من حياة الأدباء، وتفصح عن شؤونهم، وشجونهم، هذا النوع من الكتابة بدأ يختفي، مع اختفاء الرسائل التي يحملها لنا سعاة البريد، والمسرّات التي تختبئ تحت المظاريف، بعد أن حلّ البريد الالكتروني محلها، ومازلت أحتفظ برسائل وصلتني من أدباء كثيرين، بعضهم غادروا عالمنا، وقبل أيام، عثرت في ملفات رسائلي على رسالة وصلتني من الشاعر الراحل سليمان العيسى (1921-9 أغسطس(آب) 2013) بعثها لي من صنعاء في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 م، كما دوّن أسفل قصيدته (قطر الندى) المرفقة بالرسالة، التي أهداها إلى (صغيرتي التي لم أعرفها.. قطر الندى)، وتحت القصيدة دوّن ملاحظة بخطّه الأنيق هي (إلى العزيز عبدالرزاق الربيعي.. ينشرها حيث يشاء.. مع أرق تحيتي وأشواقي.. سليمان)، وكأنّه بهذه الملاحظة وقّع على بياض شيك ثمين، والعاملون في الصحافة يعرفون ماذا تعني ملاحظة من شاعر كبير كسليمان العيسى، فيما يفرض شعراء شباب، ما يزالون في بداية المشوار، شروطا مسبقة للنشر!!. 
وبعيدا عن ذلك، فهذه الملاحظة تعكس تواضعه، وثقته العالية التي يوليها لواحد من تلامذته في مدرسة الشعر، وهذا الانطباع يخرج به كل من عرف العيسى عن قرب، ويستطيع أيّ قارئ أن يستشف ذلك من رسالته التي جاءت ردا على رسالة مني أرفقتها بحوار أجريته معه خلال سنوات إقامتي بصنعاء، وقد ذكر في رسالته (المرفقة بهذه المقدمة) تفاصيل عن حالته الصحية، والعمليتين اللتين أجراهما لعينيه، وكان فرحا لنجاحهما، وبروح مرحه، يتحدّث عن ذلك بحيث صار بإمكانه أن يراني والأخوة في عُمان، وهو جالس في مكتبه، أما العكّاز (عصا الشيخوخة) كما يسميه، فله معه حكايات لطيفة، تعكس حبّه للظرافة،  ويعبّر عن سعادته بعكّاز وصل إليه من ولده (معن) الذي كان يعمل في (دبي)، في ختام رسالته يدوّن أحدث مشاريعه، واصداراته، وهذه الأنشطة تفصح عن مواصلته الكتابة الشعرية، وانتهائه من أربع دواوين، ترجمتها زوجته د.ملك أبيض (رحمها الله) للفرنسية، ومداومته على حضور مجلس د.عبد العزيز المقالح الأسبوعي، وحرصه على تلك الفعاليات بحيويّة عالية، رغم آلام الشيخوخة، ومتاعبها، بلوغه سنّ الـ 72 سنة، وفي حواشي الرسالة يستفسر عن توقف وصول صحيفة (الفينيق) له، مستشعرا توقّفها عن  الصدور، مبديا أسفه لذلك، ويحرص في حاشية من تلك الحواشي على نقل تحياته للأصدقاء في عُمان، وبالمقابل يبعث تحيات زوجته د.ملك أبيض، وتكرار ملاحظة بمنحي حريّة التصرّف بنصّ جديد كتبه، كل ذلك يؤكّد أن الشاعر الكبير سليمان العيسى كان مدرسة في الشعر والحياة، رحمه
الله.