ميادة سفر
تتأثر ظاهرة «مجهولي النسب» بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد معدل الفقر في البلاد، فضلاً عن الحروب والتهجير والتشرد، وهي أحوال عانت منها بلادنا منذ سنوات طويلة
لم يحظ الأطفال مجهولو النسب بأكثر من اهتمام مراكز الرعاية التي تحتضنهم لسنوات معدودة، وفيما عدا ذلك ينظر إليهم نظرة سلبية مليئة بالاتهام وأحياناً الاحتقار، هذا الطفل الذي سيطلق عليه المجتمع لقب «لقيط» لا ذنب له في الواقع والوضع الذي وجد فيه، فهو لم يشترك في تلك العملية التي قام بها الرجل والمرأة وألقوا به في أتون الحياة، ولم يكن له يدٌ لا من قريب ولا من بعيد في أسباب حالته هذه.
ربما كان نتيجة خطأ اقترفه عاشقان حالت ظروفهما من دون إشهار علاقتهما والزواج وفقاً لأعراف المجتمع الذي وجدا فيه، وممكن أن يكون نتيجة اغتصاب تعرضت له امرأة، وربما كان هذا الطفل ثمرة حملتها فتاة ألقت بها الحياة في الشارع كما سيلقى وليدها لاحقاً، فتلقفتها أيد امتهنت تجارة البشر، ووضعتها على أول سلم الخطأ والخطيئة التي لن يغفرها لها المجتمع، كما سيحمل طفلها وزرها، من دون أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى تلك النتائج.
في ظل تعنت القوانين ورجال الدين وأفراد المجتمع تستمر مشكلة هؤلاء الأطفال الذين ولدوا ولم يعرفوا أباً ولا أماً، ونسهم جميعاً في تلك الجريمة وتتلطخ أيدينا ونحن نطلق عليهم «لقطاء» ونحن نحرمهم من أن يحملوا اسم أب وأم حقيقيين ونسد أبواب بيوتنا في وجوههم، بحجج شتى لا تمت للإنسانية بصلة، ولا تقرب الأخلاق، ولا تعالج مشكلة، وكيف نحل مشكلة أطفال مجهولي النسب ومازال رجال الدين يحرمون التبني بحجة عدم اختلاط الأنساب، توقف الاجتهاد هنا!، ومنعت الفتاوى في هذا الشأن!، تساندهم السلطات التشريعية بعدم سن قوانين تجيز ذلك.
لا تتحرك مشاعر أيٍّ ممن يقف ضد إصدار قانون أو اجتهاد أمام عشرات وربما مئات الأطفال المشردين في الشوارع، الذين يتعرضون للاغتصاب، ويلقون في أتون الجريمة من سرقة ومخدرات ونشل وغيرها الكثير، أين الأخلاق التي يتشدق بها هؤلاء، ونحن نعلم أن مراكز الرعاية على أهميتها لن تحتضن الطفل إلى ما لا نهاية، هذا فضلاً عن هرب الكثيرين منها لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فلما لا يعاد النظر في واقع الحال، وفي مجتمعاتنا أسر كثيرة حرمت من الانجاب وعلى استعداد لتبني طفل ومنحه اسماً وبيتاً وعاطفة، أم أنَّ ترك هذا المجهول النسب لقدر مجهول، وعالم قذر يتلوث به أفضل برأيي البعض.
تتأثر ظاهرة «مجهولي النسب» بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد معدل الفقر في البلاد، فضلاً عن الحروب والتهجير والتشرد، وهي أحوال عانت منها بلادنا منذ سنوات طويلة، وهذا ما أفرز أعداداً كبيرة من الأطفال الذين ولدوا بلا صدر ينامون عليه، ولا ثدي يرضعون منه، ولا يدٍ تحنو عليهم، ولا قلوب تحبهم، إنهم بحاجة لأخذهم في الاعتبار ونحن نعيد إعمار البلاد، وتوزيع المناصب والغنائم، لا يجوز تركهم للريح تتقاذهم كيفما تشاء، إنهم أبرياء بعرف الإنسانية والأخلاق، فلا ترفعوا في وجوههم سياط تخلفكم وتحملوهم أوزارا أنتم أحد أسبابها.
لا شكّ أن هذه المشكلة من المشكلات التي تعاني منها كل الدول الغنية منها والفقيرة، لكن ما يفرق بينها هو كيفية التعاطي معها وعلاجها، ويبدو أنّ الوقت قد حان هنا في بلادنا للاجتهاد وتغيير القوانين ليكون هؤلاء مواطنين مثلهم
مثل غيرهم، أما صمت المؤسسات الحكومية عما يحدث، وانتظار فتاوى رجال الدين لإباحة التبني، ليس إلا ضعف وتقصير من الحكومات بحق أبنائها وواجبها بتأمين حياة كريمة لهم، فعل لا يمكن تبريره تحت أي مبرر، هل سيطول الانتظار؟.