كيف عرفت الشاعر الشهيد دلشاد مريواني؟

ثقافة 2021/09/19
...

   ئاوات حسن أمين
منذ عام 1982 تعرفت على الشاعر دلشاد مريواني، قرأت بعض قصائده المنشورة  في مجلة (شمس كوردستان) أواخر عقد سبعينيات القرن الماضي، ومنها قصيدة له بعنوان (قصيدة الكترونية) 
 
حملت قصيدة عنوانا مفارقا، ومصطلحات لم تكن مألوفة حينها، مثل (الذرة والنيوترون والبروتون والالكترون). وهذا ما جعلني أعدّ شعره نوعا من المغامرة، وهناك محطة اخرى لتعرفي على الشاعر من خلال ندوة ادارها حول ديوان (اللمعة والتساقط)، للشاعر محمد حسن برزنجي، إذ قام بتقييم علمي لتجربة الشاعر ومكانته في الادب الكردي، وليفتح لي نافذة للاطلاع على خفايا الشعر الكردي.
وبعدها كان امامي بعد أن  اصبحت طالبا في 1986- 1987 في القسم الادبي في اعدادية هلكورد للبنين، كانت للصدفة دورها؛ فقد شهدت تلك السنة عودة الاستاذ دلشاد مريواني الى الوظيفة وأصبح مدرسا لمادة اللغة الكردية في اعداديتنا، فعمل على أن يكون صديقا لنا، وساعدنا على نهتم بالفنون والثقافة الكردية في السليمانية، كما قام بتأسيس مكتبة لاعداديتنا وأصبحت تلك المكتبة مركزا ثقافيا لتبادل الاراء والافكار، فضلا عن دوره في تحفيزنا، والمشاركة النشرة الثقافية «رنكاله» التي اصدرها المدرس في الاعدادي محمد جاسم.
 
أولى  القصائد
كانت اولى قصائدي في هذه النشرة المدرسية، لمناسبة ذكرى  تأسيس مدينة السليمانية، وفي الاعداد اللاحقة ترجمتُ قصيدة للشاعر الفرنسي ارثر رامبو من العربية الى الكردية، وقد اعجبت ترجمتي للقصيدة الاستاذ دلشاد مريواني (لذلك قام اثرها بارسالها الى جريدة هاوكاري)، حيث تم نشرها بالفعل، وبالتأكيد فان ذلك الموقف اسعدني كثيرا.
كان هذا الامر سببا في تقاربنا بشكر اكبر، حد أنه كان  يطلب مني القيام في درس اللغة الكردية لقراءة الشعر، وهذا ايضا ما جعلني معروفا كواحد من شعراء اعدادية هلكورد الادبية.
وفي احدى المرات التي طلب مني القيام لقراءة احدث اشعاري، اخبرته بثقة تامة بأني كتبت مسرحية شعرية للمراهقين بعنوان (بابا نويل يزور الاطفال الكرد)، فأسعده ذلك كثيرا، وخصص الدرس باكمله لي وفي الختام سمح لبعض الطلبة بالحديث عن النص، وهذا ما جعلني معروفا بشكل اكبر وذلك النص الشعري المسرحي رأى النور في احد اعداد منشور (هلكورد).
في احدى المرات التالية قرأت هذا النص الشعري:
 
(اعيش وحيدا في كهف
فاغوص في تأمل وحدتي
ذهب صاحبي لمعالجة علتي
ولا ادري لماذ لم يعد.
علقت في دوامة
ابتلي فيها زورق فكري
فهل العزيز ساهر لجروح جسدي
ام لسوء حظى هو ايضا نائم.. الخ)
 
وعي التحديث في الشعر الكردي
لم يكن تدريس دلشاد مريواني تقليديا، فالى جانب قواعد اللغة الكردية كان يولي اهتماما بالغا بالجانب الادبي، فقد سمعنا منه لأول مرة شيئا عن النثر الفني، وعن كيفية كتابته، فكان يحدثنا عن امثلة حية لذلك النثر، مثل كتاب النثر(ابراهيم احمد وعلاء الدين سجادي وشاكر فتاح).
كان هو من تحدث لنا عن ثلاثي الشعر البابانيين (نالي وسالم وكوردي) وشرح لنا دور ومكانة سالم وكوردي وقال بانهما ليسا باقل مكانة من نالي.  
وكذلك حدثنا لاول مرة عن (عبدالرحمن بك نفوس) الذي كان يعده مع (گوران وشيخ نوري شيخ صالح ورشيد نجيب) من فرسان تحديث الشعر الكردي في مطلع القرن العشرين الذي كانوا متأثرين بشعراء (فجر آتي) وهي جمعية أدبية عثمانية، تشكلت عام 1908 علي يد بعض الشعراء والكتاب بعد انقلاب المشروطية، ومنهم توفيق فكرت واصحابه.
وهنا أرغب أن اشير الى المساعي، التي بذلها دلشاد مريواني الشهيد لتدريس وتعليم الطلبة بالكتابة بالأبجدية اللاتينية، وما زلت محتفظا بمحاضراته بهذا الصدد، حتى الآن في ارشيفي في دفتر من فئة ثلاثين ورقة.
 
اغتيال دلشاد مريواني
من جرائم النظام الفاشي السابق هو قيامه بجريمة اغتيال هذا الشاعر والمدرس والناقد، فبعد اعتقاله تم تغييبه، دون العثور على جثته، لكنه ظل حيا في ضمير الثقافة العراقية والانسانية، ولعلي أجد في ما تركه من أثر عنوانا كبيرا لي للتعلم والتعرف من خلاله على عالم الادب والفكر والشعر.
 
 (الى دلشاد مريواني...)
هي رسالة 
كتبت منذ زمن
مضمونها 
كتب لشاعر
تواق للكلمة
لانسان
ابيض
كنُدفَة ثلج
الى دلشاد* الذي
لم ير السعادة
في حياته..
الى  شاعرٍ
ارتقى المعالي
في موته
والذي اقول له:
أحبك
ايها المعلم
يا دليل حياتي
منذ الازل 
الى الابد .
ــــــــــــــــ
*دلشاد: بالكردية يعني القلب السعيد.