الثقافة و عصاب النخبة

ثقافة 2021/09/19
...

علي حسن الفواز

هل يمكن الاعتراف بأن النخبوية مرض ثقافي، وأنها لا تقل خطورة عن الشعبوية؟
هذا السؤال الحاد، والاشكالي، يفتح الباب لاسئلة أخرى، بعضها يتعلق بالمفهوم ومدى علميته وحقيقته، وبعضها الآخر يتعلق بالتوصيف الوظيفي، وبالمساحة التي يتحرك فيها، وبأهلية النخبة للتأسيس والقيادة والتمكين، فكثيرا ما تفرض هذه النخبة اوهامها كما سماها علي حرب، على استعمال الثقافة وعلى تداولها، وفرض نوع من”السلطة» و»الهيمنة» التي تُسهم في وضع توصيفات قسرية للخطاب الثقافي، وللهوية الثقافية، وعلى أي دور خارج محدداتها، على مستوى التداول، أو على مستوى شرعنة “الخصوصيات الثقافية” أو على مستوى أي جهدٍ مغاير، يسعى الى تحريك الفاعل الثقافي الاجتماعي والسياسي والمهني، فضلا عن تعالق ذلك بمسؤوليات “المثقف العضوي” النقدية والمعرفية، وجهوده في المشاركة والادارة والقيادة، وفي التعبير عن الذات في مواجهة مظاهر العزل والطرد والتهميش.
 صناعة الرأي العام، شأن ثقافي، بدلالة فاعلية الخطاب الاعلامي، والتوعوي، لأن هذا الرأي سيكون عنصر ضغط، وحراك، ودافعا لمراجعة الكثير من المواقف والخيارات، بما فيها خيارات الثقافي ذاته، وهذا مايجعل تهميش “الرأي العام” واتهامه بالشعبوية، أو العمومية نوعا من المغالطة، والتهميش، لا سيما في ظل ظروف تاريخية وسياسية واجتماعية، تفرض نوعا من المواجهة، والتحفيز، إذ يكون الثقافي فيها أكثر تمثيلا للمسؤولية، ولوعي حاجات التعبير عن الذات، وعن الحق في الحرية والعمل والتظاهر والمشاركة والاختلاف، لأن فرض اوهام النخبة والجماعة والمؤسسة، وحتى الجامعة على الاخرين، سيكون سببا في تعويم الكثير من الجمهور، وفي تغويل مفهوم الشعبوية ذاته، لأنه سيكون ضدا نوعيا لسلطة الجهاز البيروقراطي الذي تحاول النخبة فرضه على الآخرين، تحت يافطة مسميات وعناوين، لا  حقيقة لوجودها في السياق الثقافي، ولا حتى في التوصيف الانثربولوجي للثقافة ذاتها، بوصفها الكلّ الذي يعبر عن القيم والعقائد والافكار والطقوس، وكل مايدخل  في السياق التمثيلي والوجودي للكائن الاجتماعي، وللمواطن بمفهومه السياسي.
ثمة من يقول أن الثقافة هي مجال نخبوي، وأن مهمة النخبة هي قيادة المجتمع، وبقطع النظر الخلافي حول هذا الأمر، فإن ذلك لايعني تحويل المفهوم الثقافي الى قوة عازلة ومعزولة، ومن ثم نجد انفسنا أمام سلطة مجاورة، لها قوتها واحكامها، وعصابها، وحتى “جيوشها الالكترونية” وأمام فعاليات تتبدى مشكلاتها وعزلتها من خلال عقد المؤتمرات، والندوات، او حتى اقامة الفعاليات البحثية وغيرها، والتي تتحول الى مجال هو الأقرب للدرس الجامعي، في حدوده المنهجية، وفي مفاهيمه ومصطلحاته، وحتى في سياق تداوله، بعيدا عن الجمهور وحاجته الى خطاب التحفيز والمشاركة والتواصل..