الإنسان أغلى من البترول

آراء 2019/03/01
...

عدوية الهلالي
في فترة الستينيات، اطلق الخبير الامريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد غاري بيكر وبالتعاون مع الخبير يعقوب مينسر مصطلح ( الاستثمار في رأس المال  البشري) الذي يقدم وجهة نظر علمية حول قدرات الافراد في تنمية المجتمعات واقتصادها .
في ذلك الوقت ، كانت اميركا تحاول استرداد مجدها وعظمتها بعد الحروب التي خاضتها ،بينما سعت دول أخرى مثل اليابان وكوريا وسنغافورة وماليزيا الى استغلال هذا المفهوم ،لانقاذ شعوبها من الجهل والفقر والتناحر، فطورت التعليم والاقتصاد ونهضت بمجتمعاتها لتصبح دولا عظيمة ،والامر ذاته حصل في روسيا والصين وجنوب افريقيا لأنها وضعت خططا تعليمية  وتنموية ستراتيجية  ،لاعداد افراد يتمتعون بامكانات قادرة على مواجهة التحديات الضخمة وانتهاز الفرص  الهائلة  الناجمة عن التغير التكنولوجي ،ماسيجعل منها في العقود المقبلة دولا مهمة في خارطة الاقتصاد العالمي ، وفي الوطن العربي كانت التجربة الاماراتية نموذجا حيا لتطبيق مفهوم استثمار رأس المال البشري ، لأنها صبت اهتمامها على الانسان، باعتباره العنصر الاساس في قوة المجتمع ، فالثروة البشرية اغلى واثمن من الثروة البترولية والبترول ماهو إلا وسيلة لاسعاد الشعب وتطوره ،بابعاد شبح الفقر عنه وتوفير حاجاته الضرورية  ليلتفت الى العمل والابداع، فضلا عن ازالة كل ما يمكن ان يؤخر مسيرته من ازمات  سياسية  واقتصادية واجتماعية .
في  مايخصنا ، فقد صرنا مادة  دسمة  لمن يحب  المقارنة  بين الماضي  والحاضر في مواقع التواصل الاجتماعي ،اذ تنشرصور للعراقيين في عقود خلت تعكس اناقتهم المفرطة  ومدارسهم النظامية وسلوكهم الراقي ومستشفياتهم النظيفة  ويتم مقارنتها بصور نساء يبحثن في القمامة واطفال يتسولون بين المركبات وشيوخ ينتظرون دورهم للعلاج في مستشفيات  بلا أدوية.
...ماالذي غيرهم اذن ؟ لقد  فقدت شخصية الفرد العراقي اول ملامح أمانها واستقرارها ،مع شعورها بأن حكوماتها تهتم بالسلطة اكثر من اهتمامها بالشعب ، اذ يمكن ان يسحب النائب كرسي الرئاسة من تحت الرئيس قسرا، ليصبح (قائدا ضرورة ) بكل مايملكه من ترهيب وطموحات مجنونة ، وما ان يبسط جناحيه على البلد ،حتى يبدأ باخراج مسلسل الحروب بحلقاته واجزائه المتعددة ، فيختلس الحلم بالمستقبل من أذهان الشباب ويقتل طموحاتهم في مهدها عندما يلقي بهم في أتون جبهات القتال ويحول النساء الى ارامل والاطفال الى ايتام  ...كانت تلك بداية التحول في شخصية الفرد العراقي الذي ذاق الخوف ثم الحرمان والخسارات ..وحين تلقفته ايدي حكومات اخرى انتخبها بلهفة أملا في ان تنتشله مما كان فيه وتضعه على الطريق الصحيح في مضمار السباق البشري نحو التطور العلمي والحضاري ، اكتشف ان مهمة تلك الحكومات لم تكن تحقيق الصالح العام واسعاد الناس واعطاء الاولوية  لاستثمارالثروة البشرية ، بل التطلع الى الالقاب والمناصب واحراز المكاسب الشخصية وخدمة اسياد يحركونها كالدمى فيديموا بقائها لتحقيق مصالحهم داخل البلد ..كيف لايتغير الشعب اذن حين تصبح مقدراته بيد من لاتهمه نظافة الشعب ولانظامه اوحياته بكل تفاصيلها ..من الواضح اذن ان الحكومات هي التي ترتقي بالشعوب حين تمنحها الأمان والعيش الكريم والأمل بالمستقبل وترفع من مستوى التعليم والتربية ...وحين تكون مثالا يحتذى في نظافة اليد واتباع النظام والتسابق مع الدول لبلوغ الصدارة .. .فمتى تفهم الحكومات ان الفقر هو أسوأ انواع العنف  والامية جريمة المسؤولين والحكومة التي لاتدرك قيمة الانسان هي حكومة جاهلة بامتياز .
وفي السويد ، نال عدد من الطلبة المتفوقين فرصة ارسالهم الى البرازيل في رحلة مدرسية وكان بينهم طالب عراقي ،رفضت السفارة منحه الفيزا بسبب جوازه العراقي ، فما كان من مديرة المدرسة الا ان قابلت رئيس الوزراء السويدي، ليمنح الطالب جوازا سويديا يسهل له الحصول على الفيزا ، وكل ذلك لكي لا تتحطم نفسيته حين يفقد فرصة السفر مع أقرانه !! ..لقد فكر السويديون اذن  بروح الانسان ، ولم يفكروا بجنسيته وهذا ما يجعلهم شعبا متطورا ، فهل يحق لنا أن نحلم بعراق متطور ونحن نحمل امراضا لاسبيل الى الشفاء منها ..الكراهية واذلال المواطن واهماله وحرمانه من أبسط حقوقه .