عن توقعات المؤلف بالنجاح

ثقافة 2021/09/21
...

ياسين النصير
 
لا أحد منا يفكر عندما يكتب كتابًا أو ينشر مقالة أو يخرج عملًا فنيًا أو يصور أو يرسم أو يلقي درسًا أو محاضرة وحتى يقرأ، بأن عمله لا يكون ناجحًا، هذه الثقة بالنفس مرجعها الثقة بالعمل، ولكن كيف تتضافر الثقتان في ترسيخ مبدأ النجاح أو الفشل؟.
في سياق المعرفة العامة، أن بعض المؤلفين يملك ثقة خاصة بأن كل ما ينتجه هو ناجح، وهذا النوع لايهتم بأي رأي آخر، فثقته بنفسه دليل على عدم ثقته بالقراء. ويعتبر نفسه معلمًا من دون شهادة. بينما نجد بعض المؤلفين يكون قلقًا عندما ينتج كتابًا أو مقالة، وهذا النوع من المؤلفين هم الأكثر ارتباطًا بأن الحقيقة لا يحتويها أي نص وحده، في حين أن نوعًا ثالثًا من المؤلفين لا يأبه إن نجح عمله أو فشل، فقد انتجه كجزء من مهمة روتينية، والقى به للشارع الثقافي.
أعود لأنواع المؤلفين الذين ادرجتهم كتابات النقد الثقافي، وحددتهم باربعة انواع وهم: المؤلف المبدع، وهو منتج الروايات والشعر والنقد والفلسفة والرسم والموسيقى وبقية الفنون، أي ذلك العمل الذاتي الذي عندما يضع اسمه عليه يعد جزءًا من سيرته وهويته. والنوع الثاني هم المؤلفون النساخون والمدونون الذين يحرصون على نقل المنجز بدقة، محافظين على هويته ومادته، يعد عملهم تأليفًا لمنجز سابق ودورهم يتم من خلال توسيع دائرة القراءة للكتاب وجعله مشاعًا. النوع الثالث من المؤلفين، هم كتاب العرائض ومدونو الشهادات في المحاكم والعقود والسندات والرسائل ومن هم على شاكلتهم، هؤلاء مؤلفون ثقة يمكنهم أن يقلبوا حياة الناس، وأن يصوروا لهم ما هو مخفي. النوع الرابع من المؤلفين هم الناطقون باسم المؤسسات والشركات والحكومات والاحزاب، وهؤلاء مؤلفون لكلام  المؤسسة أو الدولة، تأليف هؤلاء يأتي من خلاصة لمجموعة آراء قيلت وتحتاج إلى ابلاغ  مركز، وهؤلاء لايختلفون عن أي وسيلة إعلامية ناطقة، ومحددة. وثمة مؤلفون آخرون يتخذون اشكالًا ثانوية، لن نأتي عليهم. 
هؤلاء المؤلفون الأربعة عندما ينتجون نصًا يعتقدون بصدقه من خلال كماله الفني أولًا، ومن خلال مضمون الرسالة التي يحملها نصهم ثانيا، لذلك تكون الثقة متشربة في كل كلمة وجزئية من النص وليست الثقة مجرد معنى وهوية لأن الرسالة تتعلق باسم مؤلف معلوم. وسنجد ان مفهوم الثقة والصدق ليس واحدًا لدى المؤلفين الأربعة، فالمبدع الروائي أو الشاعر أو الفنان لا ينشد الثقة لمجرد انه انتج نصا، بل ينشدها عندما يجد نصه منتشرًا ومقروءًا ومنقودًا ويعني ذلك أن اتساع دائرة تأثيره، التي تشير إلى نسبية ثقة المؤلف بنصه. هذه الثيمة الوثوقية نجدها في الناطق الرسمي للمؤسسات حينما يكون كلامه قريبًا من القانون أو من الرأي الرسمي، ونجد الوثوقية اقل في تأليف المدونين والنساخين عندما يكتشف القارئ ثمة اضافات او حذوفات ما كانت موجودة في متن الكتاب الاصلي. ونجد الوثوقية شبه معدومة في النوع الذي يسجل ويدون اقوال الشهود ويكتب التعاويذ والرسائل والعقود فقد يكون التلاعب ثيمة تستبطن اللغة وتجعل من المكتوب نصًا احتماليا، وهذا النوع  من التأليف نجد ثمة قاضٍ له وادعاء عام ومحامٍ ومشتكٍ ومتهم، وهو وحده النص الذي يحتاج إلى تمييز وتصديق من جهات عليا، لذلك تقل فيه الوثوقية فيه. ونجد هذا النوع من التأليف في القرارات الدولية التي تدبج نصًا قابلا للتأويل، خاصة تلك التي تتعلق بمصائر دول ورسم الحدود بعد نهاية الحروب.