نجم الشيخ داغر
اتصور ان الله تبارك وتعالى يأمر الامام الحسين (ع) في كل عام أن يضرب بعصا محبته حجر قلوبنا، فتتفجر منه عيون الخير والمحبة والألفة والتواضع وكل خلق حسن، فيفيض بحر النعم هذا في الأربعين فيغدو الناس نهرا مِن كرم يبهر العقول، ويسير نحو سيد الشهداء طائفا بضريحه باكيا داعيا متضرعا معتذرا متطهرا، ثم عائدا وهو محمل بأصناف اللطف الالهي.
هكذا هي زيارة اربعينية الحسين(ع) لمن يسأل عنها او قل جزءا من صورتها الملكوتية المنعكسة على قلوب وارواح محبيه في الارض، لاسيما العراقيون منهم.
وانا انظر لكل هذا كم تمنيت أن تقف الصورة ويتجمد الزمن عند ساعة الأربعين بتوقيت الحسين (ع)، حينما يتحول العراقيون بفضل حب سيد الشهداء الى اشبه بالملائكة.
تساءلت كثيرا عن مصدر هذا الزخم الهائل من العشق؟، وما الذي يجبر شابا محترما غاية في الوسامة أن ينزل الى قدمي الزائر متوسلا تدليكهما طمعا باراحته من عناء المسير ولو قليلا؟، ما الذي يدفع عشرات الآلاف من الفقراء الى التبرع بقوتهم خدمة للحسين؟، ما السر في عدم تعب او تبرم آلاف الخدام وهم يقفون لايام مواصلين الليل بالنهار في خدمة أناس لا يعرفونهم؟.
والسؤال الأهم، من الذي جمع هذا الكم الهائل من خدمة العشق؟، ومن الذي نظمهم ومن ومن ومن؟..
الذي يريد رؤية زمن المعاجز فليأتي الى أربعينية الامام الحسين ويرى بام عينيه كيف يحول الله الناس الى ملائكة كل عام في ايام معدودات، وكأنه يقول تستطيعون أن تكونوا هكذا ان تحليتم بالحب وحده، كما يجمعكم حب هذا الشهيد المظلوم كل عام.
اذن الدرس المهم والعبرة المذهلة والعجيبة التي قد تغيب عن اذهان الناس بسبب انغماسهم بالعشق في ايام الخدمة والمسير نحو المعشوق الشهيد، اننا نستطيع التغير والتحول من حال الى حال افضل واكثر كمالا، وان المسألة ليست ضربا من المستحيل.
المشكلة التي قد تبرز هنا والتي قد تطرح حلا او تفسيرا لهذا اللغز العجيب، هذا اللغز الذي يحول العراقي المعروف بعصبيته الى كائن يكاد لشدة لطفه أن يستحيل الى غاية في الشفافية، هو وجود القائد المتحلي بكل صفات الكمال والجمال والمتوفرة بالامام الحسين(ع)، الامر الذي يجعل الناس مندفعين للارتباط به والانتماء اليه باي صورة ممكنة.
وهذا ما يفتقر اليه مجتمعنا بشدة، لذلك تراه في حالة عطش شديد وهيجان عاطفي وشوق منقطع النظير للارتماء باحضان هذا الانسان الكامل في ايام خدمته المباركة، وكأنه يتيم عاد اباه من رحلته الغيبية.
من هنا لو درس القادة والزعماء هذه الايام، لايقنوا انه كلما تشبه الانسان بالامام الحسين (ع) بمواقفه ونبله وايثاره وتضحيته التي لا يتصورها عقل، كلما جذب الجماهير اليه وقادهم نحو العلا، ولكن بشرط اصلاح المسؤول نفسه اولا كي يستطيع اصلاح غيره، وكما يقول أمير البلغاء علي بن ابي طالب (ع) (من قدر على نفسه كان على غيرها اقدر).