ناظم حكمت قائد حركة الحداثة في الشعر التركي

ثقافة 2021/09/21
...

 علي ماجد
يكتب ليجمع بين الشعر والرفض، وبين الحرية التي لازمته ثم قتلته. يدرك بأن الشعر دليل الأرواح التي لا تسافر، وان الصمت لا يقوى على الحكم. 
 
لا شيء أقوى من الشعر عنده، يجميع بين متاهة الروح والذات، بين الحاضر والمستقبل، بين المعرفة والنكران، بين الوجوه التي أكلتها وحشة الفجر، والليل الضاحك. 
يكتب مهجورا بصمته، بعزلته التي تغلق مايصيب رأسه بالخراب، مهجورا بالأسئلة، بالروح التي تتقافز مثل فزّاعةٍ بالشعر، الشعر الذي تغلفة شظايا الاسئلة الحادة. 
يكتب من بعيد مثل أي شاعرٍ لايهوى الزحام!! بعيداً عن الركام حائراً باسمهِ الصريح، اسمه الذي لايقوى على كتابته. 
شاعراً أسيراً بالأسى. ناظم حكمت الذي يُعد من أشهر الأدباء الاتراك أدبا واحتجاجا. 
قادَ حركة الحداثة في الشعر والتجديد في زمن كان النظام الحاكم هو السائد. 
عاش معارضا ومات معارضاً، فاقداً لاسمهِ وهويته.. ناظم حكمت الشاعر الذي يكتب باسم مستعارٍ خوفاً من عين السلطة التي أصرّتْ على هدم الجسر الثقافي وتقيد حراكه الشعري الرافض لها بالسجن. 
سجن ناظم حكمت الّا انّ السجن وضرب السياط لم يمنعه أبدا من ممارسة رفضه وخضوعه الى السلطة التي أبعدته عن مواصلة بناء جسره الثقافي الذي كان يضم عدداً من الرواد والمثقفين الرافضين، يكتب ناظم حكمت ليقول إنني {أحّس بأوجاعكم، مثلما تحسّون بها تماماً، وإذا بقي سؤالٌ ما، سأكتُبه على الجدران وفوق الأرصفة، في الساحات العامة أشعارا، وسأعزفُ على الكمان في ليالي العيد، لمن يبقون من المعركة الأخيرة، وكذلك سأعزفُ على الأرصفةِ المغمورة بضياء ليلةٍ رائعة}.
 كان يستفز الحكم بروحه التي لاتخشى وشعره الذي يربك ما في السلطة، لان ما في شعره دليلا وخارطة لا تريد سوى الحرية، إنه يمضي باتجاه الحرية التي يبحث عنها ولا يجدها. كأنه يدرك بأن الطريق سماء وأن الموت، والسجن هما الأقرب إليه من أي شيء، رغم ذلك كان مصرا ومتمرداً الى ان تمرده أدى الى سجنه.  عاش ناظم حكمت قرابة سبعة عشر عاما متنقلا بين دهاليز السجون العتمة، لم يكف أبدا عن رفضه حتى في السجن كان يكتب ويصرخ من دون أن يتقافز من سياط السلطة، يدرك بأن الحرية {هي أن تقف خلف قضبان قلبك وليذهب الجميع الى الجحيم}، بعد ان أبعده السجن عن إسطنبول وإنارتها التي تغلف 
الشوارع. 
إسطنبول الطفلة التي كانت حاضرة في قصائده خرج ناظم حكمت الشاعر المثقف ذو النزعة الشيوعية من سجنه. 
لم يبقَ طويلاً في إسطنبول ليغادر بعدها الى روسيا الى انه بقي مؤيداً لحراكه ورافضاً لدكتاتورية الحكم في إسطنبول، ما أدى ذلك الى تجريده من جنسيته. 
لم يبالِ حكمت أبدا بقدر ما كان يبالي  لإسطنبول، للشعب الذي بقي أسيرا لأيدولوجيات السلطة القامعة هناك.. لم يمنعه التجريد من ممارسته احتجاجه ورفضه حتى وان كان بعيداً على العكس كانت الثورة حاضرة في نثره وتفعيلته كما يراها بعض من الشعراء هي الأقرب الى 
مايوفيسكي.  أكمل ناظم حكمت ما تبقى من حياته هناك في روسيا بصحبه زوجته الروسية التي قابلته حبيبا ومعارضاً، كانت شاهدة على رفضه وعصيانه ليس لتركيا فحسب وإنما حتى في روسيا كان يكتب من دون قيد، من دون ان يلتفت وراءه، لا يبالي، انه الشاعر الأقوى رفضا في نصه. 
ولد معارضاً منفياً وتوفي بين أحضان المنفى {روسيا} برفقة زوجته تاركاً اسمه المستعار في تركيا.