انتظار عند محطةٍ ما..

ثقافة 2021/09/21
...

 د. نازك بدير
 
مضى أكثر من ثلاثين عاما على انتظار انبلاج فجر يوم جديد، كان ذلك ليلة عيد 
الفطر. 
رائحة البنطلون المخمليّ الأزرق السماويّ ذي الملمس الناعم لا تزال تزورني من دون 
مناسبة. 
أما اللون، فأكاد أجزم أنه بات سمة ملازمة لي لم أكن أدرك إلا منذ وقت قريب سرّ ارتباطي به، ارتباط الطفلة باللعبة، والخرز بالخيط، والشفق 
بالمغيب.
لكن، أن تشعر مجددا بالرّغبة في انبلاج الفجر، والبلاد تتصدع بفعل أزمات لا تنتهي، قد لا يحدث ذلك إلا في أرض السحر 
والمعجزات. 
في عمق {وادي رَم} تجد نفسك بين الجبال المنحوتة بيد الخالق.
أنى توجّهتَ، تعاين لوحات قدت من الصخر، تشهد على عجائب الصحراء، وغرائبيتها.
 في هذا المكان، يعود إليك الشعور الطفوليّ نفسه، تحضر ملابسك، تقضي الليل منتظرًا طلوع الفجر ليتسنى لك الاحتفاء بمشهديّة الشروق، حيث لولادة الشمس في {وادي القمر} فعل الدهشة الأولى، واللذة غبّ انتظار.
الشروق في {رم} مخاتل كما الرّمال، يتركك في حالة انتظار وتوقع، ومن ثم يباغتك بنوره. وكما أهل الصحراء، تفيض عليك في كل لحظة شلالات ضوء، تنساب منعكسة على البيداء في تكامل اللون، فلا تعرف من أين يتدفق اللمعان، هل ينبع من جوف الرّمال الذهبيّة، وينعكس على الجبال الصخريّة مانحا إياها اللون الأصفر، أم أنّ ألوان الشروق الورديّة تختلط في لعبة انعكاس الضّوء مع الرّمال؟ وتاليًا، تصبح الجبال صورتها، وتتيه في هذا الجمال كله، فلا تكاد تعلم كنه الحقيقة.
أأنت في الأرض التي سكنها الأنباط، وتركوا إرثا من النقوش التي تعود إلى القرن الرّابع للميلاد، وسطروا ما يؤرّخ مرور القوافل العربيّة من الجزيرة واليمن إلى بلاد الشام؟ (وقد ذكرها ياقوت الحمويّ في معجم البلدان ج 2/ص 25. كما جاء عنها في شعر المتنبّي).
هذا الوادي الذي يُعد من إحدى أهمّ وجهات المستشرقين، يأخذك في رحلة خارج الزمن. 
فيه تمنحك البادية طعما آخر للعيش، وتعلمك أنه بقي {على الأرض ما يستحقّ الحياة}.
في حضرة هذا الجمال يسأل المرء نفسه: هل ما يراه حقيقة، أم أنه حلم نبّهه منه صوت إشكال على محطة وقود؟.