الاحتفاء بالشعر وتقريبه للجمهور في قصيدة لكولنز

ثقافة 2021/09/25
...

  محمد تركي النصار
تتناول قصيدة (مقدمة للشعر) لبيلي كولنز طبيعة الشعر، والطريقة الامثل للتعامل معه وتذوقه واستيعابه، فالشعر ليس مسألة رياضية تفترض حلا لها في النهاية، فهو بخلاف المواضيع الاخرى لايملك دائما جوابا، ويحتاج أن تحس به لا أن تفكر به، ويعرض بيلي كولنز أفكاره بِشأن كيفية قراءة عمل شعري معين وطرق الاحتفاء به.
 
ويقدم النص شخصية شعرية يبدو انه بروفيسور للأدب الانكليزي، وهو شخصية الشاعر نفسه، الذي يخاطب أحد تلامذته بأخذ القصيدة كما هي، ولا داعي للبحث في مكان اخر، فالقصيدة عالم قائم بذاته، مكون من أصوات ومرئيات وألوان، وتعقيد وبساطة وأشياء أخرى كثيرة، والقارئ يجب أن يهتم بالحواس فالشعر بشكل عام يحتاج الى نظر وشم ومشاعر وهو يوفر أولا وأخيرا متعة مختلفة.
والقصيدة المكتوبة شعرا حرا تتكون من سبعة مقاطع بأبيات مختلفة الطول، فبعضها يتألف من بيت شعري واحد، بينما مقاطع أخرى طويلة تتألف من ثلاثة أبيات أو أكثر، وليس في القصيدة نظام تقفية محدد لكن الشاعر يستخدم بعض التقفيات هنا وهناك، وثمة استفادة واضحة من الايقاع الداخلي في النص، واستخدام  ضمير المتكلم يجعله غنائيا فضلا عن خاصية المونولوج الدرامي، الشاعر هو المتحدث الوحيد في القصيدة في حين يبدو الطلبة صامتين، وتكون وظيفة الوزن في القصيدة الحفاظ على تدفق الأبيات، نبرة المتحدث وهو كولنز نفسه تمتاز بالتهكم وهجاء الحساسية الحديثة وكيفية تعاملها مع الشعر، وتكون النبرة في المقاطع الاولى بسيطة ومحتفية، اذ تظهر أفكار الشاعر بشكل سريع ومباشر، فضلا عن الدقة في تحديد القصد، وفي المقاطع الأخيرة تتحول الى تهكم لاذع. 
ثيمة القصيدة تركز على أهمية الاستمتاع بالشعر وتذوقه وليس التيه بحثا عما تعنيه أبيات القصيدة، ولجعل الفكرة واضحة أكثر يرسم صورة رجل مربوط بحبل الى كرسي، وتحفل القصيدة بالعديد من الصور الشعرية، فهناك الصور البصرية، والسمعية والصور الشمية، وصور كثيرة معبرة عن حاسة اللمس، وفي المقطع الاول يستخدم اللون والضوء ويستخدم صور خلية النحل، الفأر، الغرفة المعتمة والتزحلق على الماء في المقاطع التالية، وكل صورة تقدم مفهوما مرتبطا بملامح العمل الشعري، وهو ما يجعل قصيدة كولنز أكثر امتاعا واثارة:
أطلب منهم أن يأخذوا قصيدة 
ويرفعوها الى النور 
مثل شريحة ملونة
ويصيخوا السمع لقفير نحلها
أقول لهم أسقطوا فأرا في داخل قصيدة 
وراقبوه يحاول البحث عن سبيل للخروج 
أو امشوا في داخل غرفة القصيدة
وتحسسوا الجدران بحثا عن مفتاح الضوء
النص مليء بالاستعارات، اذ يستخدم الشاعر هذا العنصر ليفتح الطريق لأفكاره المميزة في جسد القصيدة، وهكذا توجد استعارات للعنصر اللوني في المقطع الأول، ويتم تقديم هذا المفهوم هنا بمساعدة التشبيه مشيرا الى الصورة البصرية للقصيدة، وفي المقطع التالي تمثل خلية النحل بأصواتها استعارة للصورة السمعية، ويربط الشاعر فكرة التعقيد للقصيدة مستخدما استعارة الفأر.
وفي المقطع اللاحق، يستخدم كولنز استعارات الغرفة والضوء ليقارنها مع ثيمات النص وجوهر المضمون، متحدثا عن التزحلق المائي على سطح القصيدة فهو يقول مجازيا أن الانسيابية تشبه تدفق السائل، والقارئ ينبغي له أن يسبح فوقها لكي يتمتع بعوالم النص، واذا كان القراء يبحثون عما هو أبعد من ذلك فعليهم أن يغوصوا أعمق في العالم المائي للشعر، وهنا يتجسد مفهوم القراءة الأكثر اختراقا لطبقات النص:
أريد منهم أن يتزلجوا على مياه سطح القصيدة 
ملوحين لاسم الشاعر على الشاطئ
لكن كل ما يريدون أن يفعلوه
 هو أن يربطوا القصيدة بحبل للكرسي 
ويعذبوها لانتزاع اعتراف منها 
وها هم يجلدونها بخرطوم 
للوصول الى معناها الحقيقي.
يستخدم كولنز عنصر التدوير أيضا كوسيلة لخلق الترابط بين أبيات عمله الشعري، وكذلك اللغة المجازية، وهناك تشبيه في المقطع الاول بين القصيدة والشريحة الملونة في هذا البيت: (واحمله عاليا للضوء مثل شريحة ملونة)، ونرى استخداما للكناية في عبارة خلية النحل فهي تشير الى الاصوات التي تطلقها، وهنا نرى محاكاة صوتية بين صوت البشر
وصوت النحل.
وبعيدا عن هذا يستخدم كولنز المفارقة عندما يدعو القراء ليسقطوا فأرا داخل القصيدة، كناية اخرى في عبارة (اسم الكتاب، فهي ترمز الى مؤلف العمل الشعري) وأيضا نرى حضورا لتكرار الأصوات والتشخيص والمفارقة في هذا المقطع وكلها تسهم في خلق جاذبية للنص ليبقى في منطقة بين تعدد مفردات الواقع وأجواء لاتخلو من روح سريالية.