فن الغرافيتي في العراق

ثقافة 2021/09/29
...

لؤي حمزة عباس
 
حينما نتحدث عن فن الغرافيتي في العراق فإننا نتحدث عن الشباب وقدراتهم الخلاقة التي اختارت الرسم وقيمه الجمالية أسلوباً من أساليب المواجهة، وطريقة مؤثرة من بين طرائق الاحتجاج، إن ما يسعى الغرافيتي للإعلان عنه والتصريح به من معلومات سياسية أو اجتماعية، وما يعمل على كشفه والتعبير عنه من عوامل نفسية، سطحية وعميقة، يتماشى مع روح الشباب وتطلعاتهم للتعبير بما يتناسب وتحولاتهم في النمو الجسماني والذكائي والانفعالي، من هنا يمكن عدّ تاريخ انطلاق الانتفاضة العراقية في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2019، تاريخ ولادة فن الغرافيتي المعاصر في العراق،  وهي اللحظة التي بدأت معها الظاهرة الغرافيتية تتشكل بقوة ومهارة بوصفها حدثاً غير عادي يمكن ملاحظته ومراقبته ووصفه، وقد حملت من الدلالات السياسية والإنسانية والاجتماعية ما جعل منها ظاهرة مركبة تستوجب الرصد والمعاينة والتوثيق، مقدمة لدراسة نماذجه والوقوف على خصائصه، إنها لحظة مؤثرة في تاريخ الفن العراقي المعاصر، غادر معها الغرافيتي خجله وتردده وخشيته من عدم تقبله في الحياة العراقية، ليدخل على أيدي الفنانين الشباب، هواة ومحترفين، وبموجبات وعيهم مرحلة التحقق الشعبي، وقد يُنكَر تحديد العام 2019 تأريخاً لولادة فن الغرافيتي في العراق، ويُحتج بقدم الفن العراقي عامة، إذ إن ولادة الفن في العراق مقترنة بولادة الحضارة، وهو وجه سامٍ من وجوهها، وقد قدّم للعالم، منذ فجر الحضارة الانسانية، الكثير من الروائع، النحتية خاصة، أما الرسم فقد سبق ولادة الدولة العراقية بعقود مع التجارب المبكرة للفنانين الرواد، ليتجاوز عمره المئة عام، فهل يصح، والحال هذه، أن تتأخر ولادة فن الغرافيتي حتى أواخر العقد الثاني من الألفية الثالثة؟ وهو إنكار مشروع وسؤال لا يخلو من منطق إذا ما قيس على فاعلية الفن العراقي القديم منه والحديث، باتجاهاته ومدارسه وأعلامه، لكن ولادة فن الغرافيتي في العراق حُددت بناءً على ثلاث خصائص هي:
ـ الانتشار.
ـ التنوع.
ـ الابتكار.
فما كان شاخصاً على القليل من جدران المدن العراقية قبل العام 2019، لم يملك نصيباً من الحضور والانتشار، كما لم يكن متنوعاً ومبتكراً إلا في أضيق الحدود، بحيث لا يكاد يكون مرئياً أو مؤثراً، لكن الانتفاضة، بروحها الشبابية وبُعد تطلعها، حققت لهذا الفن حضوراً فاعلاً، له من الانتشار، وتنوّع الثيمات، وتعدّد أساليب التنفيذ، ومن قوة الخيال ما رفع الكثير من نماذجه إلى منزلة الابتكار، ولأن انتفاضة تشرين أول 2019 هي أوسع احتجاج جماهيري شهده العراق منذ تأسيسه، وقد شهد فن الغرافيتي خلالها أوسع استثمار له، فإن ذلك عزّز تحديد تاريخ الانتفاضة موعداً لولادة فن الغرافيتي في العراق، وذلك لا يتقاطع مع عراقة الفن على هذه البقعة من العالم، إنما بقي بانتظار المناسبة التي تتحقق معها ولادته
الطبيعية.