رواية نيران.. العدميَّة الغائبة

ثقافة 2021/09/29
...

  حسن الكعبي 
 
تكتسب رواية نيران للروائي حسن السلمان أهميتها من خلال وضعها في سياق مقارناتي مع الكم الكبير من المنتجات السردية العراقية التي ظهرت في أعقاب العام 2003، كما تكتسب أهميتها في وضعها أيضا في ذات السياق مع الرواية الاولى لحسن السلمان، ونقصد بها رواية «قلعة طاهر» وان كانت هي الرواية التأسيسية التي عملت على التخلص من الاشكاليات التي وقعت بها الرواية العراقية، وهي اشكاليات عملت على تشخيصها النقدية العراقية ولا نريد هنا استعادتها، لكن نذكر منها الاسهاب والفائض السردي الذي اضر بالرواية، مضافا اليها الاستهلالات التي تبدأ بثيمة العثور على مخطوطة ينطلق منها الراوي لتأسيس سرديته وهي ثيمة انتقدتها النقدية العراقية بشدة، فضلا عن غياب قضية اساسية تشغل الرواية او تشتغل عليها، وطبعا هذا لا ينطبق على روايات مهمة ظهرت في السردية العراقية وهي روايات لا يستهان بكمها ولا بأهميتها، لكننا لسنا في معرض التصدي لها او استعراضها؛ لأن ذلك سيفقدنا المعاينة الاساسية لرواية نيران، ومن جهة سيعرضنا الى الاتهام بالانحياز، وهو ما نسعى الى تجنبه، ولذلك سنعمد الى مقاربة رواية نيران ووضعها في سياق مقارناتي مع رواية قلعة طاهر.
وضع الناقد صادق ناصر الصكر دراسة مهمة عن رواية قلعة طاهر رصدت انشغالاتها الاساسية بمفهوم العدمية وبهيمنة مفاهيم سيوران على مناخ الرواية بشكل عام لتشكل هذه القضية الاساس التي تشغل الرواي في مبثوثاته السردية سواء في سردياته الروائية او القصصية، مسترشدا بالمصائر المبتورة للشخصيات وتجنب البناءات السردية التي ترسم معالم الشخصية الروائية. وهي استبصارات غير مسبوقة في النقدية العراقية كما عبر عن ذلك الناقد ياسين  النصير في معرض تعليقه على هذه القراءة النقدية، ذلك ان الناقد رصد هذه القضية رغم عدم هيمنها بشكل ظاهر في الرواية ولا يمكن مقارباتها الا من خلال الاسترشاد بمشترطات النقد الثقافي والسيسو ثقافي، وهي عتبة لا يمكن تجاوزها في مقاربة سرديات السلمان.
فقد عمد الراوي في مروية نيران الى هذا الاتجاه العدمي في رسم ملامح شخوصه في هذه الرواية، لكنه الاتجاه الذي لا يمكن الركون اليه واعتماده في المقاربات النقدية لهذه الرواية، فباعتقادي أن التليمحات لهذا الاتجاه ظهرت على سلوكيات سعيد في نهاية الرواية وفي تلميحاته الساذجة سواء في سلوكياته او في حواريته مع نيران، وهي حواريات تحيلنا الى فيلسوف الصدرية في رواية بابا سارتر، وطبعا لا نقصد بذلك الاساءة الى الراوي بهذا الاستعمال فقد وظف السلمان معارفه القرائية ومشاهداته البصرية في بناء شخصياته بناء فنيا محكما، بدءا من نيران التي تحيلنا الى شخصية اليخاندرا في روايات ساباتو في (ولدنتها) وانتهاء بمصيرها الذي يشبه مصائر شخصيات كثيرة في كلاسيكيات السينما العربية، مرورا بشخصية صالح التي تحيلنا الى شخصية جوزية اركاديو الابن في رواية مئة عام من العزلة، فضلا عن المشهديات السينمائية التي استعان بها خيال الروائي وكيفها بحرفية عالية في بناء سرديته، وبمعنى أدق فإن الروائي جعل من هذه التناصات خوادم لسرديته وبناء شخصياته بناء فنيا محكما، ونقصد بالبناء هو السيرورات التاريخية للشخصية التي تجعل المتلقي يستقبل النهايات بأريحية ومن دون ان يتوقع نهاية أخرى لها، فشخصية سعيد لا بد ان تنتهي هذه النهاية وخليل وعواطف وبقية الشخصيات مرسومة بدقة تجعل من نهاياتها حتمية فيما آلت اليه، وحتى نهاية نيران المأساوية، ومن ثم فإن هذا البناء السردي سيجعل من العدمية مفهوما غائبا رغم التليمحات اليه باعتبار هذا البناء للشخصية وتوقع مصائرها وما ستؤول اليه، بالعكس من رواية قلعة طاهر التي أصّلت اتجاهاتها العدمية من خلال مصائر الشخصيات المبتورة.
ما يجدر ملاحظته هي نهاية الرواية بمشهد المرأة المقتولة بعد أن شوهت ملامحها مع صعود الانتهازية الدينية، فاذا كان الرواي يقصد بذلك مصير نيران ومصير المرأة العراقية بشكل عام، فإن النقد السيسو ثقافي لن يعفي الرواي من هذا التعميم لأنه بالتأكيد لن يكون هو مصير المرأة العراقية لاعتبارات عدة، بل هو مصير نيران وأشباهها في الواقع العراقي كما رصده السلمان في روايته الجميلة والممتعة على حد تعبير الناقد علي
السعدون..