أدباء شباب

ثقافة 2021/10/03
...

حميد المختار 
 
كنا أدباء شباباً إلى حد وقت قريب من سقوط النظام السابق، وكان هذا التصنيف مقصوداً آنذاك لأن معظم الذين يطلقونه علينا يريدون من خلاله أن لا نصل إلى مرحلة الاحتراف ونبقى في خانة (الشباب المبتدئين)، وربما يتذكر أخي الروائي (شوقي كريم) ذلك جيداً مع كثير من الأسماء التي جايلتنا، أما اليوم فقد تغير الأمر كثيراً لأننا نؤمن إيماناً ثابتا بالطاقات والمواهب فلا نطلق هذه الصفات جزافا انما نصنف كل ذلك وفق الاستحقاقات الكتابية، ولهذا فثمة الكثير من الشباب الذين يكتبون القصة والرواية والشعر هم واصلون إلى مرحلة الاحتراف، وطبعا هناك كتّاب شباب وشيوخ مازالوا يحاولون الوصول الى تلك المرحلة من الاحتراف. 
 ما أريد الوصول إليه في هذه المقالة هو الكتابة عن اسمين من الأدباء الشباب في البصرة، الأول هو (حسين راضي الشمري) الذي كتب رواية ومجموعة قصصية بِنَفَس المحارب المصر على التواصل مع ذاته والآخر في الكتابة السردية، والثاني هو (مهند ناطق) وهو سارد صمَت لأمد طويل يصل إلى أكثر من عشرين سنة وطيلة هذه الفترة هو مشغول برواية واحدة عنوانها (هجين الانسانية)، وقد كتبها على مراحل متباعدة وصولا إلى الكمال في هذه المرحلة بعد أن جهزها للطبع، والعجيب أن العامل المشترك بيني وبين هذين الكاتبين هو (السجن)، فقد كنا نزلاء سجن ذات سنين عجاف ومن هناك كتبنا رواياتنا وقصصنا.
 رواية (حسين راضي الشمري) وقصصه تحمل سمة الاكتشاف المبكر للتشويق والقدرة على تلاحق النَّفس لدى القارئ وهو يتابع سيرورة الأحداث وتصاعدها إلى الذروة رغم هنّاته اللغوية، لكنه سرعان ما يتجاوز ذلك سريعاً ويعاود الانصهار مع قدراته السردية في قيادة شخصياته وبناء حبكته الروائية، بينما (مهند ناطق) دخل في نفق طويل من العتمة السردية إن جاز هذا التعبير وخاض غمار تجربة نفس روائي له فكرة عالمية قد تتناص مع بعض ثيمات الروايات العالمية مثل (ماركيز) وربما (دان براون) أيضا، لكنه يبتكر ثيماته الخاصة به المبنية على حواضن سردية عالمية معروفة، وهي قدرة ممتازة لو تسنى له الاستمرار فيها وتطويرها عبر مواصلته الكتابة بهذه القدرة والحب والملكة. 
 وأنا في حقيقة الأمر سعيد جداً بوجود هذين الكاتبين اللذين يذكرانني دوما بمراحل شبابي في التجربة الكتابية، فالشمري يشبهني في الاصرار على استخراج النص رغم صعوبة الظروف القاهرة وعشق التشويق والمتعة في الكتابة، أما مهند ناطق فيشبهني في حبي للابتكار والبحث عن ثيمات لم تطرق من قبل، فضلا عن أسلوبه وقدرته على بناء جملة ليست سهلة تحتاج لقارئ حصيف ومتمكن من قراءته وملاحقته لأحداث لا تمضي بسهولة، هؤلاء أنا أطلق عليهم صفة (كتّاب شباب) تجاوزوا مرحلة الابتدائية بكل جدارة ووصلوا إلى حدود القدرة العملية على صناعة نص سردي استحق ويستحق الإشادة والقراءة والطبع والانتشار، تحية لهما وهما يحققان خطواتهما الأولى في عوالمهما السردية بامتياز.