عدّه الفنانون بنية فنيَّة قائمة بذاتها.. حين يضع الكاتب صورته على غلاف الكتاب!

ثقافة 2021/10/03
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
منذ أوّل تصميم رسم ليوضع كغلاف على الكتاب، مرّ الغلاف بمراحل عدّة، بدايةً من قراءة الكتاب ورسم فحواه، انتقالاً إلى الغلاف التعبيري، وصولاً إلى أن يكون الغلاف بنية فنية قائمة بذاتها، وهو ما يتحدّث به الآن أغلب مصممي الأغلفة ودور النشر.
هذه التحوّلات، بمجملها كانت تبحث عن جماليات مضافة للكتاب، بعيداً عن محتواه، إن كان رواية أو مجموعة شعرية أو كتابا فكريا أو فلسفيا أو علميا، فمع كل مرحلة من مراحل النشر، ينتقل الغلاف إلى جماليات جديدة تلائم الذوق العام أولاً، ومن ثمَّ ليمثّل هوية دار النشر. فانشغل المصممون بالبحث عن لوحات مناسبة لهذا الكتاب أو ذاك، أو إلى إيجاد تكوين وفضاء فني يعطي للكتاب ولدار النشر هويتهما معاً. ولم يلتفت المصممون إلى وضع صور المؤلّفين على الغلاف الأمامي للكتاب -إذ غالباً ما يضعون صورة المؤلّف على الغلاف الخلفي- لكنهم بحثوا عن بدائل جمالية وجاذبة للقارئ، غير أن اختيارهم لصورة المؤلّف كان منحصراً بالأعمال الكاملة له التي تعبّر عن كل ما كتبه، أو إنّ كان المؤلّف علماً، وبهذا يعطون قيمة إضافية للكتاب. غير أن الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن مؤلفين شباباً أو غير معروفين يضعون صورهم على أغلفة الكتب، وكأنهم علامة تجارية سيسوق الكتاب من خلال تلك الصورة، وهو ما ينحو بنا لقراءة الغلاف قراءات مختلفة بعيداً عن جماليته أو أهمية المؤلّف:
 
غشماء التأليف
يشير الناقد محمد فاضل المشلب إلى أنَّ هذه الظاهرة الإشهارية -بالمعنى السلبي- تعكس فرض المؤلّف شروطه على بعض الدور الطباعية (لا أقول دور النشر)، فهي تنهضُ بالأساس على المردود المالي الآتي من الكتّاب هؤلاء وأشباههم وليس من خلال ما يتمّ نشره من الكتب، ومن ثمّ فهي تتقبّل ما يرغبُ فيه المؤلف من عنوان ونوع خطّه وألوان الأساس، فضلاً عن صورته. إذ يتوهّم بأنَّ وضع صورة له ستكون دعايةً وتعكس أهميّته وأهميّة ما أنتجه معرفياً، نعم هنالك في العالم العربي قلّة من الكتّاب ممن حملت أغلفة بعض نتاجهم الإبداعي صوراً لهم مثل: محمود درويش وأدونيس وواسيني الأعرج، لكن لهؤلاء رصيداً متميّزاً من القرّاء الذين يواكبون كلّ ما ينتجه هؤلاء ويحضرون أمسياتهم وجلسات توقيع كتبهم.. مثلاً محمود درويش كان يقيم أماسيه في ملعب دولي لكرة القدم ممتلئ للنهاية.. كذلك الحال بالنسبة للندوات الفكرية التي تقام لأدونيس في مختلف الدول العربية، فمن قد يا ترى يقارب من المؤلّفين الحاليين هنا هذه المكانة في تقديرِ الجمهور القارئ لمؤلفه. ويضيف المشلب: هنالك دور نشر احتفت بكتّابها من خلال سلسلة نشر معينة، كما فعلت المؤسسة العربية للدراسات والنشر من خلال سلسلتي الأعمال الكاملة شعراً وسرداً مع مجموعة من أصحاب التجارب المهمة، ووفق تنسيق إخراجي كان يشرف عليه الفنان زهير أبو شايب... هذه حالة جيدة في النشر، إزاء كثرة من الحالات المشوهة في التنفيذ الطباعي للأغلفة المُنفرة غالباً لعين القارئ المهتم، لاسيّما ما فعلته الدور المحلية هنا وبعض الدور السورية واللبنانية المغمورة، والمعتمدة في الاسترزاق على غشماء التأليف.
 
عقدة نرجسيَّة
وبحسب الشاعر شاكر الغزي فقد جرت العادة في تصاميم الكتب والأغلفة، أنَّ الغلاف الخلفي للمطبوع يحتوي على صورة صغيرة للمؤلّف من باب التعريف به لا أكثر، وأحياناً ترفق معها سيرة مختصرة، وهذا الإجراء وإن كان شبه مألوف، إلّا أنّي لم أعمل به في كتابي الأول، بل فقط في إصدارين من كتبي الستة، وفقط لأنَّ الناشر طلب ذلك؛ لأنّ الفكرة التي أتبناها أنّ المنتَج هو الذي يصدّر نفسه، لا أن يتّكئ على صورة المؤلف أو اسمه. الظاهرة الغريبة، التي انتشرت مؤخراً، وهي أنَّ الكثير من الكتّاب يضعون صورهم على الغلاف الأمامي لإصداراتهم، وغالباً ما تكون الصورة كبيرة وناشزة، تبدو مستهجنة بالنسبة لي، ولا أحبّذها إطلاقاً، وهي تنمّ عن عقدة نرجسية تستوطن في ذات الكاتب من جهة، ومن جهة أخرى فهي تدلّ بوضوح على جهل بأبجديات تصميم الأغلفة، وهذه الظاهرة لا يكاد يوليها الكثير من المؤلّفين أهمية، في حين أنّ الغلاف بتصميمه (الفعّال) يعضّد من فكرة الكتاب ويَسهم في إيضاح مبتغاه إذ يعمل كنصٍّ موازٍ، وأنا أعرف الكثير من مصمّمي الأغلفة يقرؤون المنتج كاملاً قبل تصميم غلاف يتناسب مع فحواه.
 
هويَّة بصريَّة
ويرى الشاعر محمد فرج المعالي أنه كما يحتاج القراء إلى نصٍّ رصين ومحتوى ثقافي مؤثّر ويستحق، يحتاج أيضاً إلى هوية بصرية تتمثّل بغلاف أنيق وذي إيحاء فني جذاب وطبعة متقنة من حيث التصميم والأناقة وجودة الورق ومتانة التشكيل. وهناك ظاهرة -بصفتي قارئاً مهتمّاً- ففي حين أصبح تصميم أغلفة الكتب فنّاً لافتاً في حد ذاته، أجدها غير مناسبة، بيد أنَّ وضع صورة الكاتب على الغلاف لا تحمل أي معنى أو إضافة للعمل أكثر من تعريف القرّاء بشكل الكاتب. وأحياناً تجدها على طبعات رديئة مخلخلة على ورق يلفظ أنفاسه الأخيرة مع ولادته الأولى. أعتقد أنَّ الشكل التجريدي في التصميم الخالي من الإضافات مثل صورة الكاتب يعطي العمل رمزية جاذبة وإضافة فنية إلى جانب عمل دار النشر المتقن كما الحال مع دور النشر العراقية والعربية المعروفة بتصاميمها الرائعة والأنيقة. وفي النهاية يجب الابتعاد عن إدخال أشياء لا تنفع المحتوى، وتعرقل عمل دور النشر والمصممين، وتفرض على القارئ الذي هو أصلاً لا يهتم إلا بالمحتوى الذي يحكم ويكون له الفصل في كل عمل مع أناقة التصميم
وإتقان الطبع.
 
حداثة العصر
ولا يحبّذ الشاعر نصير الشيخ أن تتصدر صورة الكاتب أو الشاعر مساحة الغلاف الأوّل من كتابه، ذلك للشعور البدئي أنني أقف أمام كتاب “مدرسي”. ومن الواضح تزامن نشر الصورة وموضعها عند اختيار دار نشرٍ رديئة، أو ذات تقنيات طباعية بسيطة جداً لا تنهض بالكتاب وجماليته. وبالتأكيد هذه الطباعة البسيطة تأتي تبعاً للمبلغ المادي ومحدودية دار النشر.
ويرى الشيخ أن الكتاب تكوين وجسد نصّي ومتن معرفي وفكري، قد أضيف إليه في زمن التقانة المتصاعدة رؤى إخراجية تتعلّق بتصميم الغلاف وتنفيذه وابتكار طرق جديدة في اختيار لوحة الغلاف وأنواع الخطوط، فلم يعد الغلاف “خازن” للمتن والنصوص فقط، بل أصبح رسالة إبلاغية لمتلقٍّ يمارس عليه قدرة الجذب وإثارة النظر وانخطاف اللون والصورة، ومن ثم تحقيق مساحة بصرية تتمازج فيها الخطوط والألوان مع لوحة الغلاف المختارة، كلّ هذا يشكّل عتبة النص لبدء علاقة جدلية وتداولية مع متلقٍّ مختلف التذوق، لتحقيق رسالة جمالية. من هنا يكون فعل وضع صورة المؤلف أو الكاتب على الغلاف الأول تدنيا في الذائقة فنياً وفكرياً وفلسفياً، وبما يصيّرهُ له دار النشر على عدم تمكّنه وإلمامه بإخراج كتاب يحمل تقانات عالية المستوى تنتمي
لحداثة العصر.
 
مرمى النقد
غير أنَّ الدكتور نبيل وادي يقف مع وضع صورة الكاتب، لاسيّما أنَّ كتابنا محرومون ممن يقوم بدور الإعلامي الذي يخدم انتشارهم، حسب قوله، ولكن قد يكون وضع صورة الكاتب ادعاءً، كأن تكون صورة معاملة أو صورة غير فنية، بينما رأيت أعمال درويش عليها تخطيطات فنّية، فضلاً عن كتّاب عالميين مثل كولن ولسن. ويبين وادي أن هناك في دور النشر المصرية ولاسيّما الروايات كانت الأغلفة تجارية وبعض الأغلفة مأخوذة من الأفلام التي أخذت عن الرواية، وفي الوقت الذي كانت فيه الرسومات التي يعدّها أصحاب دور النشر فنية، تعدّ إهانة للكاتب على الرغم من أنَّها تحقّق رواجاً كبيراً وتلفت الانتباه على مستوياتهم كافة، “أذكر مرّة تم نشر صورة المؤلّف وقد تم قص أطراف الصورة بطريقة (الزكزاك) التي يقوم بها المصوّر، ويحدث مثلاً أن حميد قاسم نشر صورته على أحد أعماله حين كان طفلاً وأعتقد أنَّ الامر كان موفقاً، وكذلك في كتابه الاسم قبل العنوان تم نشر صورة فرانك كابرا على الغلاف، وغالباً ما يشعر مصممو الأغلفة بالضيق عندما يتم وضع شروط لتصميمه والتحكم بالخطوط والألوان وربَّما يعود السبب إلى المصمم المحترف الذي يدرك أنه سيكون في مرمى النقد من قبل زملائه، حين يخرج عن الأطر الأكاديمية أو عن الجو الثقافي الخاص بحرفة التصميم والإبداع.