الثقافة والطريق الى الديمقراطيَّة

ثقافة 2021/10/04
...

علي حسن الفواز

الطريق الى الديمقراطية هو طريق ثقافي، لأنه يناقض اي خيار للاستبداد، وانه قرين بحاجة الانسان للوعي لكي يُعبّر بحرية عن رأيه وموقفه، وأحسب أن هذا هو جوهر الديمقراطية.
الطريق الى الديمقراطية هو ايضا طريق الى الحق، لأن الثقافة قوة، واداة فاعلة تعطي للكائن شغفا في البحث عن حقيقة وجوده، وعن ضرورته في التغيير، وفي مواجهة كل اسباب الظلم والقهر والطغيان، وهيمنة الفكر الواحد والرأي الواحد.
وضع الديمقراطية في سياق مفهومي، أي جعلها مفهوما صالحا هو ما يجعلها مؤهلة لمقاربة أشياء معقدة، مثل الصراع الاجتماعي والسياسي، والعلاقة مع السلطة، او مع المقدس، أو مع أي مهيمن آخر، مثلما يجعلها واسطة نقدية للمعرفة، فالمعرفة لا تأتي من فراغ، ولا تأتي من خلال القهر، بل تكون الديمقراطية بوصفها مجالا، هي المُحرك والدافع الذي يعزز فاعليات العمل بالتنوع والمختلف، وبتجديد اليات العمل في العمل الثقافي والسياسي والاجتماعي، وربما ستكون العلاقة التفاعلية بين الديمقراطية والثقافة مصدرا لتحرير الايديولوجيا من عقدها الدوغمائية، ومن علاقتها العصابية بالسلطة.
تاريخ الايديولوجيا هو وجه آخر لتاريخ العنف والديكتاتورية، وعبر مسميات ناعمة، مثل الفكر، والهيمنة، والمركزية الديمقراطية، وغيرها من الممارسات التي صنعت «الحزب الواحد» و»الطائفة الواحدة « والامة الخالدة» و»العنصر المتعالي» و»الفرقة الناجية» وغيرها من المركزيات التي تدور في جوهرها على خطاب أيديولوجي، يتكوم على بعضه مثل تل من الرمل، ليصنع مصدا او جدارا وهميا إزاء الآخرين، وإزاء وعي المشاركة والتفاعل والقبول بفكرة المختلف.
وإذا كان سؤال الديمقراطية يحصرها بالبُعد السياسي، فإن الاجابة عنه ترتبط بتفكيك السياسة ذاتها، بوصفها نمطا مركزيا للحكم، وليس للادارة، والحكم في تاريخنا قناع للاستبداد، والادارة فعل تنظيمي استثمرته السياسة لفرض بيروقراطيتها، وعصابها على الآخرين، ولتدوير خطابها في العنف والسيطرة والضبط والمراقبة.
وبقدر ما أن الطريق الى الديمقراطية ليس سهلا، ومحفوفا بمخاطر شتى، أولها الجهل بها، وضعف تعلّمها والتدرّب عليها، فضلا عن فقر مؤسساتها، إلّا أنها خيار ضروري، لتأهيل القوى الاجتماعية للتعايش، والتفاعل، وللقبول بالتداول السلمي للسلطة، ولمعرفة حق المواطنة، وحق القبول بالاخر، صعبٌ، وبخلافه سيذهب الجميع الى العنف، حيث يكون الاستبداد هو المجال الصياني الوحيد للناس، لكي يحافظوا بالقوة على وجودهم ومصالحهم وهوياتهم الافتراضية، ولكي يحكم بعضهم البعض بالقسوة والتوحش والطرد، وباعادة انتاج أدلجة العنف والكراهية والموت العمومي.