بين أن تحيا وأن تقول

ثقافة 2021/10/06
...

لؤي حمزة عباس
لا يبدو الأدب العراقي اليوم منفصلاً عن الحياة العراقية بظروفها المعقدة وقد رسّختها عقود القسوة والتخبّط والانعزال، وربما كان الأدب العراقي من هذا الجانب أكثر الآداب العربية التفاتاً إلى مجريات لحظته التاريخية بما خلّفته من آثار قاسية على الإنسان، سيظل موضوع الحرية وتمثلاتها الموضوع الأهم بالنسبة للأدب العراقي كما هو الحال بالنسبة للأدب العربي، ولكن الفارق الأساس بين رؤيتيهما أن الأدب العراقي ما يزال حتى هذه اللحظة يختبر المساحة الصعبة بين أن تحيا وأن تقول. 
فالقول على نحو ما ينتج الحياة ولا يحل بديلاً عنها، إن ما غاب وتبدّد جراء ممارسات السياسة القاهرة عمل الأدب على إعادة إنتاجه تحت شروط مغايرة، فالحياة التي تبدّدت هي ما يسعى الأدب لالتقاط ظلالها وإضاءة تفاصيلها، ففي كل تفصيل منها يكون الإنسان، إنسان التفاصيل المهملة التي لا يمنحها التاريخ عنايته في الغالب ولا تعبأ بها السياسة، من دون أن يغيب الأدب في بئر الماضي، إن سنوات الحروب المتوالية احتاجت الكثير للتعبير عن الوجه الآخر غير المرئي في معادلة الحياة
والموت. 
وقد انقسم المشهد بصراحة ووضوح الى مشهدين: كتابة السلطة وكتابة الإنسان، السلطة في العراق لم تكن إنساناً ذات يوم. كثيراً ما شبهت الكتابة الإبداعية في العراق مثل السير في حقل من الألغام، يصعب على الكاتب معه أن يحدّد نتائج خطوته المقبلة، ثمة ثمن صعب على الكاتب أن يدفعه جرّاء خروجه عن محدّدات كتابة السلطة وشروطها، في الحرب عليك أن تكتب عن الفرح والانتصار، في الحصار عليك أن تكتب عن البطولة والمواجهة، في سنوات الفوضى عليك أن تكتب عن الوطن الجديد، وطن الديمقراطية والتسامح حتى وأنت تتضور جوعاً، وأنت تتخبّط في أنهار الدم والرماد، من الواجب أن تكتب عن الوطن حيث تبدو الوطنية معنى ملتبساً بالنسبة لشخص منتهك، في مثل هذا الوقع ولدت كتابتنا، كتابة جيل الثمانينيات، الجيل الذي لبس المأساة كما يلبس قميصاً ضيقاً وقد وجد في قصيدة النثر مركبه الى الضفة الثانية وظلّت القصة تعاني ألم الكتابة وقسوة المواجهة  جرّاء طبيعتها الكنائية، كما عانت مواجهة أصعب وهي تؤدي لعبة التوازن، وهي تدخل في كل مرة حفلة تنكرية، كما وصفها محمد خضير، لذلك اقترحت الكتابة القصصية تنوعات كتابية جديدة مثل المظهر الأسطوري الذي ساد منذ أواسط الثمانينيات، إذ أنتج الكتّاب أقنعة مختلفة لمواجهة الواقع والنزول إلى مياهه العميقة، الذهاب إلى آشور وسومر وأكد للمثول في قلب الراهن وتأمل تفصيلاته
العسيرة. 
وتظل الصلة مع الواقع بتجلياتها الإبداعية المادة الأساس التي راهنت القصة العراقية عليها من أجل قراءة وقائع التجربة الحياتية.