حازم مبيضين
يقع العراق في قلب حضارات متعددة تسعى كل منها لاستمالته، فإذا اعتبرنا التعدد العرقي في العراق ميزة، فإن ذلك ينفي كونه عربياً خالصاً، بغض النظر عن أكثرية العنصر العربي، وهكذا نجده محل تنازع بين العرب والفرس والاتراك، تسعى كل حضارة من هذه لاستمالته، اعتماداً على امتدادها في أرض الرافدين، سواء كان ذلك الامتداد عرقياً او دينياً "طائفياً"، نظراً لموقعه الستراتيجي من جهة، ولما يحتويه من ثروات يندر أن تتواجد مجتمعة في أي من الأقطار المعروفة لدينا.
يضع ذلك حاكم عراق ما بعد حكم صدام "البعثي القومي العربي"، أمام مأزق امتدادات دول الجوار على شكل أحزاب أو مجاميع مسلحة، أو حتى دولاً داخل الدولة، ما يمنعه فعلياً في ظل نظام المحاصصة السائد، من التعاطي مع مصلحة العراق كأولوية تتجاهل ماعداها، ذلك أن كل امتداد لدول الجوار، وبما لديه من قوة عسكرية أو سياسية، يضع مصلحة الحضارة أو الدولة التي تظلله، في موقع مواز لمصلحة العراق، إن لم تتقدم عليها، وهنا علينا أن نتذكر أن واحداً من قادة المجاميع المسلحة أعلن دون أن يرف له جفن، أنه سيحارب مع إيران إن نشبت حرب لها مع بلده العراق.
مؤكد أن ذلك يستدعي إعادة النظر في تعريف المواطنة عند العراقيين، بمعنى أن يكون الولاء والانتماء أولاً وقبل كل شيء للعراق، باعتباره وطناً لكل أبنائه، تأتي مصلحته أولاً قبل كل مصلحة، ويكون على حكامه التعامل مع محيطه بما يحفظ تلك المصالح، ويمنحه الموقع الذي يستحق، بدل أن يرضى بأن يظل محل تجاذبات بين دول الجوار من جهة، والقوى العالمية المؤثرة من جهة أخرى، فاقداً لهويته، متنازلاً عن مصالحه، مانحاً بعض الدول التي لايتجاوز عديد سكانها عدد أبناء حارة من حارات بغداد، حق التدخل في اتجاه سياساته وعلاقاته، وصولاً إلى تعاطي مسؤوليه مع أبناء شعبهم.
نُدرك أن من الطبيعي اختلاف وجهات النظر بين أبناء الشعب العراقي، على أن يكون ذلك ضمن الانتماء الوطني وليس الطائفي أو العرقي، خصوصاً وأن بلدهم يقف اليوم بمواجهة سؤال جوهري يتعلق بمستقبل الدولة، ويرتبط بخيار السيادة والقرار الوطني إزاء التدخلات الدولية أو الإقليمية، التي تعمل دوماً على تحويل العراق إلى ساحة صراع، وتصفية للحسابات بين القوى الكبرى من جهة، ودول الجوار من جهة أخرى، وحيث يواجه العراق انتهاكات متعددة لسيادته من قبل عدة دول، ومنها تركيا التي استباحت حرمة الأراضي العراقية عدة مرات، وهي تجاهر بدعمها لحلفائها العراقيين بزعم الدفاع عن أمنها القومي.
لايُمكن بالطبع إغفال دور الإعلام العراقي في هذا الواقع "السلبي"، فهو منذ تحرره من القيود التي كان يفرضها عليه نظام البعث، انفلت معظمه على يد فئة، رأت الوطن واختصرته في الطائفة أو العرق، مستقوية على ذلك بالقوى الخارجية، ومعتمدة على "إعلاميين" هبطوا على المهنة على أساس أنها مصدر سهل للمال، يكفي للنجاح فيها إتقان النفاق على حساب المبادئ، ولنا هنا أن نلاحظ قدرة هؤلاء على نقل البندقية من كتف إلى آخر، سعياً وراء المزيد من المال،ِ دون أي اعتبار لأخلاق المهنة وشرفها ناهيك عن فقدانهم أي إحساس بالمصلحة الوطنية.
لايعني كل هذا فقدان الثقة بقدرة القوى الحيّة في الشعب العراقي بمختلف مكوناته من إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ليظل العراق وطناً سيّداً حُرّاً ومُستقلاً وقادراً على النهوض من جديد.