الإهداء بصمة الكاتب

ثقافة 2021/10/06
...

 حبيب السامر 
 
نتناول الإهداءات بوصفها عتبة مهمة باتجاهين متوازيين، في البدء، مقدمة الكاتب بكلمات مختصرة يفتتح فيها كتابه، ويختار اسما، او مجموعة أسماء، أو ربما حالات عامة مؤثرة، لا تنفصل في مجمل سياقاتها عن كونها أيقونة تمثل مفتتح الكتاب باختصارات لأشخاص لهم دلالاتهم وعمقهم الذاتي كونهم يمثلون مثابات ومرتكزات حياتية ينعكس تأثيرها على الكاتب، بوصفها علاقة حميمية تجعله –الكاتب- يحاول من خلاله أن يَرُدَّ الجميل، كما فعل الروائي غابرييل غارسيا ماركيز في روايته «الحب في زمن الكوليرا»، قائلاً: (الى زوجتي مرسيدس. طبعاً). أو كما حدث عند جيمس جويس (J. Joyce)  حينما وجه الإهداء إلى نفسه، بالعبارة الإهدائية التالية: (أهدي العمل الأول في حياتي إلى روحي الخالصة). لكن وبالمقابل، نحاول أن نسلط الضوء على الإهداءات الشخصية بخط قلم الكاتب وليس مفتتح الكتاب، عادة هناك من ينتبه تماما إلى ما يُكتب له من عبارات على الصفحة الأولى، كونها تمثل رسالة نصية قصيرة يتفنن الكاتب بإرسال إشارات وظيفية وصفية تحمل صفة التأثير بنبرة تتمازج مع وظائف دلالية أخرى، وقد جرت العادة أن يكتب - الإهداء - في الزاوية اليسرى من عين القارئ، ويهتم جدا في كل كلمة تخط بقلم الكاتب، لا تنفصل في سياقاته عن روح الكاتب. وقد تناول القاص محمود عبد الوهاب في كتابه (شعرية العمر) نماذج من إهداءات مختلفة لأسماء لامعة في الساحة الأدبية.. وهو ما حفزني أكثر ونحن نتداول الحديث معه “رحمه الله” آنذاك وهو يعرج الى أهمية الإهداء كونه عتبة تزيينية مهمة كما وصفها أكثر من مرة، لكنها، كما يقول، (عتبة من عتبات النص أو الكتاب، وتقع موضعيا في محيط النص أي خارج متنه وترتبط به بأنساق). 
وفي سؤال يتردد في ذهني دائماً، هل نكتب كلمات وعبارات الإهداء وفق مكانة وسمعة الكاتب الذي نهدي إليه منجزنا أم هناك عبارات جاهزة نضعها على الكتاب ويختلف موضع الإهداء من كاتب إلى آخر، وأحيانا يلجأ الكاتب الى ختم اسمه وتوقعه وتكون العبارة جاهزة أيضا، كما أفعلها في إهداءاتي (لكل ما سيدوم بيننا) وأنظر إلى أن الكتاب هو من سيبقى شاهد حياة بيننا. لكن في الآونة الأخيرة، لمست عدم اهتمام بعض الكتاب بوضع لمسات حرفهم على كتبهم والاكتفاء بإرسالها مع قائمة أسماء متنوعة.. تحتوي مكتباتنا على إهداءات مختلفة لكتاب بتنوع ابداعاتهم، تشع في صفحات كتبهم الأولى وبأنواع من خطوط متباينة، هناك من تعرف ترتيبه واهتمامه من حركة كلماته وعمقها وحرفيتها.. وهناك من يترجم لك الكتاب بكلمات قليلة، وآخر يحاول أن يعطيك الصفة البراقة والمدح بكلمة - المبدع - أو كلمة الكبير، وتتشعب الصفات وتتنوع معاني الكلمات كي تزين زاوية كتابه بالنعوت المختلفة. وما يحزنني جدا، وبعد انتهاء المهرجانات والملتقيات يبلغنا بعض مسؤولي الفنادق بتراكم الكتب في الغرف والاستقبال، والأنكى من ذلك هناك بعض الشخصيات تحاول أن تزيل صفحة الإهداء كي لا يقع في حبائل عدم الاهتمام.. ونحتفظ بأسماء كثيرة جعلتنا نتحاشى الإهداء إليهم كونهم يتعالون على الكتّاب وكتبهم، وإلا ما معنى أن تقصد الكاتب المُعَين وتجلس معه وأنت تهدي كتابك الذي طبعته من قوت أسرتك ليجد مصيره المجهول أو الإهمال المتعمد.. على الرغم من قلتهم لكنها حالة شاذة إذا ما قورنت بالاهتمام من بعض الشخصيات التي تسهم في الكتابة إليك معبرة عن سعادتها بما تكتب، أو تضع أمامك بعض ملاحظات لتأخذ بها مستقبلا، أو تتحاور بشكل هادئ وهو يبهرك باهتمامه.. نعود إلى الإهداءات الأنيقة بخطها وكلماتها المبهرة وجمالية تنسيق الحروف.. وبعض هذه الإهداءات على كتب الشعر تجدها قصيدة لو تأملتها.. وهناك كتّاب كبار لا يهتمون بتزيين الإهداء وإضافة كلمات لامعة بل يكتفي بعبارات مباشرة.. من هنا نجد أن الإهداءات أمر ذاتي وشخصي يتعلق بما يفكر فيه الكاتب حين يقدم كتابه هدية لمن يرغب، مع توقيعه الذي يحتفظ به القارئ في مكتبته. وهنا السؤال المحيَّر، مع رواج الكتب في المكتبات الإلكترونية كيف لك أن تحتفظ بإهداء الكاتب وتوقيعه بحبر اشتغاله؟ وهل تتفاعل عضوية الكتابة مع التلقي في خضم هذا الكم الهائل من الكتب المتوزعة، أم سيبقى القارئ يبحث عن توقيع حيٍّ في صفحة الكتاب الأولى، ليُسعَد بعطر الحبر كلما فتح الكتاب وقلّبَ صفحاته ليتذكر لحظة الإهداء؟!.