هل أغفل مانغويل أسبقيَّة بانيبال في ارشفة المكتبات؟

ثقافة 2021/10/06
...

 وليد خالد الزيدي
 
جاء في احد عناوين فصول كتاب (المكتبة في الليل) الاكثر مبيعا على المستوى العالمي للارجنتيني البرتو ما نغويل "المكتبة هوية" تكريسا لحياته الادبية للبحث في تاريخ الكتاب وطقوس القراءة عبر العصور. البرتو مانغويل، المولود في بوينس آيرس عام 1948 ارجنتيني المولد كندي الجنسية، جامع للأعمال الأدبية، مترجم، روائي، محرر وكاتب مقالات، يحكي انه كان عام 1964 تلميذا ويعمل بعد الزوال في مكتبة زارها احد الايام الكاتب الارجنتيني الكبير خورخي بورخيس، يقول عنه ما نغويل "بورخيس ضعيف البصر كان يمرر يده فوق رفوف الكتب كما لو كانت اصابعه ترى العناوين، وحينما همَّ بالمغادرة سألني إنْ كان بإمكاني العمل معه في المساءات كقارئ له لشدة ضعف بصره، فوافقت وكرست حياتي للقراءة بصحبته وكأن القدر منحني الليل والكتب. 
في "المكتبة في الليل" قضى مانغويل نصف قرن يجمع الكتب ليتحدث في مؤلفه عن الكتابة وطقوس القراءة في مكتبة خاصة شيدها فوق حظيرة ماشية تعود للقرن الخامس عشر بإحدى قرى الجنوب الفرنسي، ركز فيها على تاريخ المكتبات، حيث يجد القارئ نفسه أمام اسلوب قصصي ممزوج بلغة التوثيق العلمي وعمق البحث التاريخي بأرقام وإحصائيات ومعلومات جمة، لكن ما يمكن أنْ يسجل عليه أنه أغفل بقصد او من غير قصد عن تشخيص مكتبة الملك اشور بابنيبال، كأقدم مكتبة ذكرها التاريخ بداية انطلاقات الفكر البشري في الكتابة والتأليف وحفظ الكتب وارشفتها، رغم انه ذكر جزءاً مما تستحق اشور ذلك حينما رأى في فصل "المكتبة أسطورة" من كتابه "أن أكثر المعالم أسطوريَّة في العالم القديم" برج بابل ومكتبة الإسكندرية" الاثنان شاهدان على كِلتا الرغبتين الخلاَّبتَين لأهل العراق ومصر، وهي رغبة احتواء كل لغات بابل "نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، كما أراد أنْ يضفي جلبة سياسية على تاريخ العراق القديم حينما زعم في كتابه ان المكتبات تمنح ادعاء المعرفة سلطة إضافية لصاحبها، ودائمًا ما يُصوَّر السياسيون إلى جانب الكتب شكلا رمزيا لخلودهم الفكري، ويؤكد في فصل "المكتبة سلطة" أن المكتبات ما زالت تُقامَ من قِبل السياسيِّين وتسمى بأسمائهم أيضًا، في شكل مشابه لما كان عليه ملوك "ميزوبوتاميا"،(بلاد ما بين النهرين) ففي اميركا توجد مكتبات تُعرف بالمكتبات الرئاسية، وفي فرنسا تظهر كل سنة كتب الاعترافات والمذكرات السرِّيَّة أو الروائية بيد ساسة بارزين، ويضيف في نص مصاحب أن الملك "آشور بانيبال"، آخر ملوك آشور شمالي العراق، كان يزعم بأنه هو نفسه كاتب، ومجموعته من الألواح الطينية التي جمعها في قصره في "نينوى" خصصت لاستعماله الشخصي، وكان يفخر بقوَّة الكلمة المكتوبة التي وهبها له الله، ويعترف مزهوًّا بأنه ملك ما من أحد تعلم هذا الفن غيره". 
وفي حقيقة الأمر ما يميز الملك اشوربانيبال احتواء قصره في العاصمة اشور (نينوى)  وكانت تحكم العراق بأكمله، على مكتبة أدهشت العالم بأسره وضمت (31) ألف رقيم طيني في العلوم والآداب والفلك والفلسفة وغيرها، وعثر على رسالة لآشور حملها ثلاثة رجال الى حكام مدينة بورسبا (27) كم غرب الحلة، جاء نصها (عند تسلمكم هذه الرسالة، أصحبوا معكم الرجال الثلاثة المذكورة أسماؤهم، وعلماء مدينة بورسبا، وفتشوا عن جميع رقم الطين، وكل ما هو موجود منها في بيوتهم، وكل ما هو موضوع منها في معبد ايزيدا، ابحثوا عن الرقم الطينية الثمينة الموجودة في سجلاتكم والتي في اشور أيضا، ارسلوا بها الينا، لقد كتبت الى الموظفين والمشرفين.. فما من أحد يمسك عنكم رقيما، وإذا رأيتم رقيماً علمياً او نصاً دينياً لم أكتب لكم عنه وترونه مفيداً، فابحثوا عنه والتقطوه في الحال وارسلوه الينا)، وفي الحقيقة ليست فقط تلك الرسالة وحدها ولا المكتبة نفسها تثبت اهتمام ملوك آشور بالعلم والعلماء وفهرست الكتب لفائدة الفكر الإنساني لا لشخصهم، بل تمثال الاله نابو (اله المعرفة والكتابة) هو أكبر وأضخم تماثيل آشور، لهو دليل آخر على ذلك
 الاهتمام.