أستكشف حياتي

ثقافة 2021/10/11
...

ياسين النصير
كثيراً ما سمعنا من يردد هذه الجملة، "أريد أن أستكشف حياتي". ما المانع من ذلك حتى يسأل؟، لا أحد يمنعه، ولكنه في أعماق ذاته يشعر أنه غير مستكشف، ربما قرأ جملة سقراط "اِعرف نفسك" وراح يرددها، وربما اكتشف ذاته أنه بلا أية علاقة مثمرة بالرغم من أنه يعيش ويشتغل وله علاقات عامة. وجوهر السؤال، أن أي سؤال يبدأ بطرحه على الذات أولاً قبل أن يطرح على الموضوع، سيكون سؤالاً مضاعفاً، وللغرابة أن السائلين أسئلة كهذه غالباً ما يكونون بيئويين، بمعنى أنهم ينظرون للعلاقة المحددة بينهم ككائنات تعمل مع محيطهم الذي يحتويهم، ليس من أسئلة كونية تبدأ من خارج الذات والبيئة، وباضافة البيئة إلى الذات، يكون السؤال قد شمل كيانين كبيرين هما: الجسد والمحيط.
في تضاعيف الأجوبة الفردية عن استفهام "أستكشف حياتي"، سيظهر عامل آخر قريب جداً، وهو أريد "أن أضع نفسي في الصورة" لقد اعطيت حياتي شكلها وطاقتها، ولكني افتقد إلى أن أجسدها في نص أو صورة يمكن للآخرين أن  يقرؤوني أو يروني من خلالها. وسرعان ما تضيع الرغبة في استكشاف الذات بالرغبة الأوسع في استكشاف البيئة والمحيط، ومن هنا يبدأ سؤال أكثر جذرية، وهو ما الشيء الذي يخصني من هذه البيئة أو المحيط؟. فالتعرف عليه يعني بداية لاستكشاف محيط حركة الذات وعلاقاتها بالآخر.
للغرابة أن هذا السؤال لا يخص الكبار فقط، ولا الناضجين منهم، بل يخص كل الأعمار كما يجد له فهماً لدى الحيوان أيضاً. يتحدث عالم الانثروبولوجيا أدورد هال عن حقل للأرانب فيه أربعون زوجاً، حقل يشكل اقليماً لهذه المجموعة، وخلال وجودها في الحقل تعاملت مع الحقل كما لو كان أرضاً ملكاً لها، تقاسمته قطعان الأرانب كل حسب موقعه، كل زوج له مكانه الخاص، ولأنه حقل تجارب لا بد من احداث تغييرات بنيوية فيه حتى يكتشف الانثربولوجي والمراقب مدى تأثير ذلك على سلوك هذه المجموعات. فأدخل على الأربعين زوجاً، زوجاً واحداً إضافياً من الأرانب جيء بهم من حقل آخر، وبعد فترة قصيرة شعر قطيع الأرانب في الحقل أن خللاً ما قد حدث في تقاسم مساحة الأقليم بينهم، فحدث ما هو غير طبيعي في الحقل، اضطراب وحركة سريعة وعدم انضباط، فالخلل الذي شعروا فيه أن حجم المسافة الخاصة بهم قد اقتطع جزء منها، وما تبقى لايكفي لكل زوج، مما يعني بعد ملاحظات عديدة لعلاقة الذات بمحيطها أو أقليمها، ان الجسد نفسه قد تكيف بناء على ما ينسجم وطبيعة المجموعة، لا بناء على ما ينسجم وحاجته الذاتية، إن أي خلل في التنظيم العلائقي سيحدث نوعاً من الاضطراب، وبالفعل أعيد زوج الأرانب الى مكانه الأول، فعاد حقل الأرانب إلى وضعه الطبيعي. شيء ما يفكر بدلاً عن الذات وهو المسافة التي تفرض على السجناء مثلاً، فالأمكنة الضيقة عقاب، أو ما يحدث في بيوت المهاجرين، أو في السكن العشوائي في ضواحي المدن، أو في التجمعات المهاجرة وغير المنسجمة ثقافياً ولغوياً، ويشيرالأنثربولوجيون إلى أن هذا الوضع يؤسس إلى علاقات المحارم، على مستويات الجسد واللغة والسلوك، مما يعني أن أي تصور على اكتشاف الذات لايسلم من تأثيرات المحيط.
تقودني هذه الظاهرة الانثروبولوجية المعاصرة إلى أن عوالمنا البيتية والعملية لا تنتظم من دون احتساب حاجات الجسد في الحركة والحرية، من دون ذلك لا تكفي اللغة ولا أي انتماء طبقي لحلحلة هذه المشكلات نظرياً، ثمة اقتصاد ما، لا نعرف مدى تأثيره، يمارس نوعاً من امحاء الذات عندما لا توضع في محيطها الملائم
 لنموها.