بحثاً عن رحلة للعزاء

ثقافة 2021/10/14
...

 د. نازك بدير
 
إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يُشكل الهرب من المكان واختيار «الطّريق الرّابع» حلًّا للأزمات النفسيّة، وتعويضا عن شعور الإنسان باليتم الأكبر نتيجة مجيئه إلى هذه الحياة؟، هل سيكون الشّفاء من الخسارات والخيبات المتلاحقة في إقامتنا المهدَّدة بالانهيار، على حدّ تعبير الكاتبة ناتالي الخوري غريب، بالحبّ؟، أم أنّ في عصر ما بعد الحداثة بات من الصّعب على المرء أن يشارك في رسْم طريقه؟.
في خضمّ حياة تتحكّم فيها التّكنولوجيا، ومصير البشريّة المرتبط بالآلة، تعالج الكاتبة في روايتها الرّابعة (الطّريق الرّابع/ صدرت عن دار نينوى) نزوع الفرد إلى عالم جوّانيّ شفيف، بعيد كلّ البعد عن الصّراعات الماديّة أيًّا كان نوعها، أو أسبابها. هي تعبير عن تَوق الإنسان إلى» العزاء” بمعناه الفلسفيّ. لكن، لو سلكنا الطّريق الخامس أو العاشر، ستبقى أسئلة البحث عن المعنى تلاحقنا حتّى الموت، من دون أن نحظى بالإجابات التي تُحقّق السّكينة الرّوحيّة. 
تستند الرّواية إلى تقنية الحوار الدّائر بين مجموعة من الأصدقاء قرّروا خوض تجربة جديدة. 
كلّ منهم يسعى إلى اكتشاف نفسه، تطرح الكاتبة الرّحلة الخارجيّة بموازاة رحلة داخليّة، بحثًا عن الذّوات المتصدّعة. قد تمثّل رحلة هذه الشّخوص، على تنوّعها، أيّ فرد منّا في طريق الحياة، سواء نجح في الوصول إلى خطّ النّهاية، أم أخفق في ذلك. تعكس مساحة الحوار التي مُنِحَت للشّخصيّات، أسلوب الرّوائيّة، وقناعتها بهذه الوسيلة سبيلًا للتّقارب، ولإيجاد الحلول بين مختلف الأطراف، كما ساعدت على تشكيل هويّة كلّ من ناردين، وبيلّا، وآدم، وديما، ودانيال، فنطق كلّ واحد بلغة تناسب مستواه الثقافي والاجتماعي، وخلفيّته المعرفيّة. 
فكان الحوار أشبه بمرآة عكست معتقدات شخصيّات الرّواية، وطرائق تفكيرها، وأيديولوجياتها. لم تأتِ الجمل الحواريّة، في الإجمال، طويلة لتتحوّل إلى سرْد للأحداث، إنّما تمّ توظيفها كتقنية تخدم عمارة النّصّ
الرّوائي. 
بالنّسبة إلى مسرح الأحداث، تعدّدت الأمكنة من النيبال، إلى باريس، ولندن، وغيرها.. وكأنّ هذه المساحات الجغرافيّة ليست صورة عن التّباعد المكاني فحسب، إنّما عن الفجوة بين الأنا والآخر، وعن الاغتراب الروحي الذي يعيشه الإنسان
 المعاصر.
فهل ينجح الطّريق الرّابع في الإجابة عن الأسئلة الفلسفيّة، أم أنّ الاغتراب سيبقى تيمة ملازمة لإنسان ما بعد الحداثة؟