جائزة النيل لرضوان السيد.. لحظة صفاء واقعيَّة

ثقافة 2021/10/14
...

 يقظان التقي
 
أن تذهب جائزة النيل الكبرى لأبرز الكتّاب والمفكرين والأكاديميين الإسلاميين والعرب الدكتور رضوان السيد لحظة صفاء واقعية جدا.  
شخصية راكمت حضورها وموضوعاتها ونصوصها بدلالات بينيّة وبرتبة وضوح عالية وبلغة مباشرة وقريبة مستقاة من اختبارات بلغتها السهلة. لكن الصعبة في تنوع إيقاعاتها ومسالكها الفكرية والفقهية المتعددة. 
كل مقالة عند رضوان السيد تجربة إنسانية طازجة ومختلفة وتحمل ظروفها الصعبة ونصّها الذي يطل على مدى مفتوح من الرؤيا المعاصرة وبتعبيرات جديدة ومساعي تغييرية وتطويرية جديّة. 
ما كانت كتاباته الأخيرة من النوع السهل. 
رواية بمعناها الفقهي والبلاغة والتاريخانية الى العلم الاجتماعي والديني. 
رضوان السيد جيبوليتيك أممي من كل الأشياء ومن ذاكرة خصبة جدا، فوق التوصيف. 
لا أعتقد أن أحدا يملك حساسية رضوان السيد مع احداث لبنان والعرب والعالم على مدى ربع قرن، وقدرته على إذابة الأمور المعقدة وتفكيكها الى عناصرها الطبيعية بثقافة راديكالية. غير مصطنعة، والأهم بثقافة سلوكية تعبيرية وواقعية. 
بدأت تواصلية معه منذ مطلع التسعينات باحثا مشاركا في مجلة «الاجتهاد»، التي يديرها بتعاون مشترك مع الوزير السابق الفضل شلق، وما زلت احتفظ منها بعشرات الأعداد لغنى مواضيعها وأوراقها، الى جانب نظريات الفضل المفرطة.   كان السيد اكتشافا أوليا، على صفحات جريدة «الأنوار» مثقفا ومفكرا فوق العادة، ومع انطلاق إذاعة الشرق من بيروت، شكل السيد مرجعا لمقابلات وإطلالات مثلت غنى الشخصية وآراءها المتفجرة في مراحل
مختلفة. 
 أظن أن رضوان السيد أكثر المثقفين والمفكرين العرب الذين رافقوا مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بنيويا، ولمع منذ منتصف التسعينات الكاتب والأستاذ الجامعي الأكثر رواجا في الأوساط كافة بتعاملاته وتأملاته الفكرية والسياسية لجهة مقارباته الأوسع لدور لبنان والعرب ولدور الإسلام السياسي الحديث الأكثر تسامحا واعتدالا، وهو يمثل تلك الاتجاهات النيوكلاسيكية في الفكر واتجاهاته. 
عشرون سنة وأكثر كنا ننتظره مساء يوميا والراحل سليمان رياشي ليصحّح مقالات عشرات الكتّاب العرب من كل الأصقاع غربا، شرقا، في صفحة رأي في المستقبل في تجربة صحافية عربية مستقلة تعزّزت أكثر في مرحلة أخرى في كل من «الحياة» و «الشرق
الأوسط». 
والى موسوعته في جوهر سلطة الكتابة وسياسة الآراء المختلفة مناضلا. من أجل فكرتين. أساسيتين: عدالة الفكرة ومن اجل حريتها وسيادتها، وما زال الشخص الذي يجسد الأفكار التي يدافع عنها ويبرزها بين طلابه وكتّابه ومريديه. 
 لكن هناك ما هو الأهم؟. 
قدرته على جذب الأفكار وليس هناك من هو أقوى منه، سهلا، عاديا. لكن صارخا، يتحول الى سيف صارخ بوجه من يعتبره يمس صدقية الحقيقة، وهو بطبعه يبغض الاوليغارشية الدينية والسياسية والحزبية والإدارية والتراتبية، يبغض من لا تقع عليهم مسؤولية بناء تاريخهم. 
 كل كتاباته تشهد تعاطفا مع أحوال الأمة ومآسيها بفكرة عميقة ورغبة بالنهوض وهو يسوّق نظرياته من الواقع نفسه ليبني تأملاته في دوريات ومجلات ورسائل وندوات ومحاضرات في مجتمع إنساني مفتوح، جزء أساسي من عولمة فكرية ومن تفاعلات أكاديمية هو نجمها اليوم مطلقا وتعدّت شهرته المجال الجغرافي الضيق
داخليا.
 لا يواري حبه للسياسة، يكتبها ويتنفسها في تفاعلاتها المختلفة، وجد في مرحلة ما سعيا للانخراط في خطاباتها التي عبرت عن التزاماته الكبيرة بأحداث عاشها لبنان والعالم. برزت معه سلطة الكتابة في السياسة وما تحمله من نبرة ولغة، ومجازات موحية جدا فسحرت بلاغته ملوكا، وأمراء وساسة وأحدثت صدى قويا ولا أحد يقارعها الفكرة والوطنية والعروبة
الفذّة. 
 تقرؤه اليوم بتعبيرات الفضاء السياسي المعقد، ولكن بتعبيرات إيجابية، واقع مخرّب ولكن يتطلب اصلاحه وقتا، منذ زمن، اعرفه صاحب ذات كبيرة، هذا مصدر رضى للرجل، وشكل دوما عنصرا جاذبا، ساحرا لا فرق بين المؤرخ والمفكر والفقيه والأكاديمي الصحافي، وكل ميدان أصعب من الآخر، وهو استثناء بوضوحه وسلاسته ومكتبته مدينة كاملة في بيروت، تمشي الأفكار مثل الهواء معه. وتستغرق مع غيره أوقاتا من التحليل مضنيّة. تحتاج معه الى برهة من التركيب بإيقاع بنّاء
 وإيجابي. 
 الأهم مناقشاته الكبرى ونديتّه التي لا تقاوم، ناقدا فذا لا يجاريه نظراؤه في ميدانه وهو الأقوى، وهو «مولانا» بالمعنى الصوفي اللذيذ. لا يكتب فقط في التاريخ، بقدر ما يكتب في حاضر ومستقبل الأمة. وهو سبب آخر لانخراطه في جوهر الكتابة نفسها، سلطة ضد السلطة، وضد السياسة حيث يخوضون ويلهون في ديارها، وهو في دارته
 الأوسع.