في غرفة الجوائز

ثقافة 2021/10/16
...

  حبيب السامر  
إنها ليست مصادفة أن يتناوب حاصدو الجوائز العالمية للآداب بلغات عالمية، من دون أن يكون للغة الضاد نصيب فيها، على الرغم من مرور ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاماً على حصول الروائي العربي نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، وهنا.. 
 
ندرك تماما أن الأدب عالميّ ويحتوي على كل اللغات والجنسيات والألوان الأدبية، لكن التساؤل السائد والمتكرر.. متى تعود الجائزة إلى حضن اللغة العربية؟، قبل أن تعلن الأكاديمية السويدية اسم الفائز بالجائزة لهذا العام، ازداد حجم التكهنات ومصائرها لحصد أرفع تتويج أدبي، كما في كل اكتوبر، إذ يبقى الشارع العربي ينظر من كوة باتجاه المرشح الأكثر حضورا، رغم ندرة فوز الأديبات الإناث بالمقارنة بالرجال لنيل الجائزة المرتقبة وشحة التوقعات بحصدها لأديب عربي، ذهبت – الجائزة - إلى غير المتوقع، أو ربما هذه الفكرة والاحتمالات لدينا نحن فقط، لأن نتاج من فاز بالجائزة لم يصلنا كثيرا، بل تكاد مكتبات أغلبنا تفتقد إلى كتبه، ولم يسمع أغلبنا بهذا الاسم ،على العكس هناك أسماء تجد منجزها متداولاً، ولها بصمتها ومفهوميتها، وتتميز بحضور إبداعي كبير، غصت أغلب مكتباتنا بكتب ميلان كونديرا، أدونيس... وأسماء كثيرة لها بصمتها الإبداعية، كانت تترقب الجائزة، لكن بوصلتها أشارت الى الروائي التنزاني عبد الرزاق جرنة المولود في جزيرة زنجبار عام 1948، الذي ظن الأمر {مزحة} عندما أُبلغ بفوزه بالجائزة. 
قال: {كانت مفاجأة، ولم أصدق الأمر حتى سمعت الإعلان}، هكذا يبدو أن الترشيحات منذ سنوات تسير عكس هواجس المترقبين لخبر هذا العام أو الأعوام القريبة التي مضت، وفي مقابلة له مع مؤسسة نوبل، وفي تصريحاته الأولى بعد الفوز قال جرنة: إنه ممتن للأكاديمية، وأضاف {إنه أمر رائع، إنها جائزة كبيرة، وسط لائحة ضخمة من الكتّاب الرائعين، ما زلت أحاول استيعاب الأمر}. 
من حقه أن يتفاجأ وسط أسماء تزخر بعطاءات كثيرة وكبيرة، ورصعت اسمها في سماء الإبداع بتأنٍ وحرص، وتنتظر التتويج، كونها – الجائزة - مبهرة بسِمتِها العالمية، على الرغم من عزوف بعض الفائزين عن تسلمها خلال حقب ماضية، لكنها تبقى ببريقها الذي ينتظره الكثير، فهي خلاصة تتويج الخدمة الإبداعية والعطاء الثر، هذه الجائزة فاز بها روائيون مثل إرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز ونجيب محفوظ وشعراء مثل بابلو نيرودا وجوزيف برودسكي ورابيندرانات طاغور ومؤلفون مسرحيون مثل هارولد بينتر ويوغين أونيل. 
نعم.. أمام هذه الصروح العملاقة لا بد لأي من يذاع اسمه ليضاف إلى تلك الكوكبة المشعة علما وثقافة وإبداعا أن يعتبر الخبر السار {مزحة} ونحن هنا لا نبخس الروائي الذي نشر منذ 1987 عشر روايات، فضلا عن قصص قصيرة. وهو يكتب بالإنكليزية حتى لو كانت السواحلية لغته الأم، حقه في هذه الجائزة، لكننا ننتظر أن تزخر أرفف مكتباتنا بنتاجاته لا سيما وروايته {جنة} التي نشرت عام 1994، ونالت الرواية جائزة بوكر، التي تعد إنجازاً كبيراً في مسيرة المؤلف الروائية.. فضلاً عن روايته الأخيرة بحسب ما وصلنا من مصادر عدة {آفتر لايفز} وهي تتمة لروايته الأشهر {الجنة}، في مطلع القرن العشرين مع نهاية حقبة الاستعمار الألماني في تنزانيا، ويردف جرنة - خلال مؤتمر صحفي أقيم في لندن غداة الإعلان عن فوزه بالجائزة - {أكتب عن هذا الوضع لأنني أريد الكتابة عن التفاعلات الإنسانية، وما يمرّ به الناس عند إعادة تشكيل حياتهم من جديد}. 
ويذكر أن معدل أعمار الحائزين على الجائزة بلغ متوسطها ما يقرب من 65 عاما.. أما أصغر من نال نوبل للآداب سنًّا، هو روديارد كيبلينغ صاحب (كتاب الأدغال) بعمر 41 عاما، أما الأعلى عمرا فكانت دوريس ليسينغ وعمرها 88 عاماً.. حتما، حين تم اختيار {جرنة} لنوبل هذا العام لجهوده وثرائه المعرفي ودفاعه عن قضايا جوهرية، وجاء على رأي لجنة التحكيم التي قالت: إن المؤلف الذي تشّكل رواية {باراديس} (الجنة) أشهر مؤلفاته، مُنح الجائزة نظراً إلى سرده {المتعاطف والذي يخلو من أية مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات}.
 سيبقى حجم التوقعات مفتوحا، مع النمو الواسع لترجمات المنجز العربي إلى اللغات المختلفة، كي يصل إلى أنظار القائمين على الجوائز الكبرى، وطموحنا أن تكون شخصية عربية في لجنة المسابقة!.