دورة الراحل إبراهيم الخياط.. مهرجان المربد منصة التقييم الشعري

ثقافة 2021/10/17
...

  استطلاع: هيثم جبار  
 
تقاس المهرجانات الشعرية في العالم معايير عدة أهمها التاريخ الطويل منذ بدء أول مهرجان إلى آخر نسخة تعقد، هذا فضلا عن سمعته الأدبية ومكانة المشاركين به ومدى تأثيرهم في الفضاء الذي يعيشون فيه إبداعيا. كما تكمن أهميته في الطروحات والابتكارات التي سيقدمها ضمن النوع الادبي الذي تشتغل فيه ومن هذا المنطلق كان وجود واستمرارية وتواصل مهرجان المربد الشعري الذي ينعقد كل عام في البصرة ضرورة لأنه جزءٌٌ من الملامح التاريخية والإبداعية لهذه المدينة بل للعراق كله وللشرق أيضا. بهذه العبارات بدأ رئيس الاتحاد والأدباء والكتاب في البصرة الدكتور الناقد سلمان كاصد حديثه عن مهرجان المربد.
والذي ستنطلق اعماله في الرابع من شهر تشرين الثاني المقبل، في مدينة البصرة، بمشاركة نخبة كبيرة من الأدباء المحليين والعرب. 
كما يتوقع أن يتخلل المهرجان جلسات نقدية ومعارض وغيرها من الفعاليات الثقافية خلال أيام المهرجان التي تستمر لغاية السابع من الشهر نفسه. 
ويقول كاصد إن: المربد منصة للتقييم الشعري وهو في الآن نفسه، وأؤكد على هذا مجس لتحولات الشعر العربي خلال عام كامل، نرى ونسمع تطور القصيدة العربية والعراقية ضمن هذه الفترة بين مربد وآخر، هذا فضلا عن أنه يدلنا ويكشف لنا عن النوابغ الجدد من شعراء يجيدون هذا الفن.
ويضيف: أرى وأنظر لهذا التجمع الثقافي الكبير من زاوية عامة أكثر اتساعا وخاصة من زاوية التميز الابداعي الخاص الذي يأتي فيه الشاعر ليبهر العرب بما سيقدم، ولكن من هذا المنطلق لا نبخس حق المبدع الكبير الذي يقدم كل عام رؤية مغايرة يتجاور فيها نمطه الشعري الذي يجيده وبما يقدم من مغايرة. المربد ساحة للتجديد ومن لم يجدد فلا ضرورة لأن يعتلي منصة هذا الفن الانساني الجميل وهو الشعر. 
 
وما كَبا سيبويه
أما الروائي القاص جابر خليفة جابر فيقول: وعلى ضفتيها تجلسُ البصرةُ، تتشارق فيُضاءُ بأنوارها شط العرب، وتتصاعد غرباً فيسمو المربد بها، على امتداداته يسمو، من ساكني مقبرة الحسن البصري، وتماشياً مع أجيال وأجيال من عيون الأدب والعلم والشعر والمعرفة، المربد بعدُ ليس بمربدٍ إن لم تحتضنهُ البصرةُ ويروّيه شط العرب، والمربد وكلنا يعرف مربدان تعايش أولهما مع نظام مضى، ولم يزل الثاني يساكنُ حيناً ويشاكس مراتٍ نظاماً حاضراً ومرات، وما بين المربدين من فرق كبير، فهناك من كان يتمنطق مسدساً ويأمر فتُطيعه القصائدُ وتُطاطِئُ له رؤوس ورؤوس، يمولُ من دون حد، ويغدق عطاياه على ضيوفه -أعزةً كانوا أو زمّارين- ولم لا تُجاد إدارته وعصا السلطة مسلّطةً، والأموال موفرةٌ، وكل شيء ممهدٌ وميسر، وثاني المربدين وإن استقى من النبع ذاته لتوأمه، إلا أنه ليس بمدلل كذاك، فكم من هذا وذاك من المتنفذين الجُدد في السلطة «الجديدة» سعى ليتحكم ويتأمر كسابقيه من ذاك النظام وأنى له ولغيره، وليس في أيديهم غير المال، فحجبوه سنة بعد سنة، ولم تكن ميزانية المربد الجديد لتجهز وتكتمل بسبب تخلفه إلا قبل أيام من بدئه!، فكيف يُمكن للقائمين عليه أن يتفرغوا لإجادة إدارته وجل وقتهم قضوه في طرق باب أو ذاك من أصحاب النفوذ ليمولوه.. 
ويضيف أن: من ينتقد سوء إدارة مهرجان المربد عليه أن يتوجه أولاً لحل معضلة تمويله المتكررة التي تكاد تكون كديةً أحياناً ولولا أنها كدية في سبيل المربد لما فعلها البصريون. 
 
النقد الثقافي الحديث
من جهته يصنف الدكتور جمال العتابي المربد كمهرجان للشعر، وكحدث ثقافي عراقي ترسخت تقاليده بمضمونها المعرفي والاجتماعي معاً.
 ويضيف أنه: عادة ما يتطلع المثقف الى المهرجان، ليسهم في تجدد الحياة، وتواصل العمل الإبداعي، في الفعل الثقافي المؤثر، الإحتفاء بالشعر. 
 ويرى العتابي أن مراعاة المعيار الشعري هو الأهم، في الأسماء، والقراءات، والنصوص المختارة بعناية، ومساقة برؤية نقدية صارمة. 
ويقول إن تسلل الطارئين والطارئات خاصة، يعني انتكاسة للمهرجان. فرغم تعدد دورات المربد، ماتزال الصورة مشوشة لمربد متخيل، أو مربد تلتقي فيه مسارات الثقافة في الوطن، وتلك التي ازدهرت في الخارج.
ويتطلع العتابي لمهرجان يهتدي لكشوفات النقد الثقافي الحديث، يحتفي بالمسرح أو بفنان تشكيلي، أو كتاب كأثر حي. 
 
طابع الحميميَّة
ويعتقد الشاعر ركن الدين يونس أن المرابد التي عقدت جلساتها بعد 2003، كانت مفارقة لسابقاتها من حيث التنظيم ودوافعه والجمهور وحماسه.. والشمولية في دعوة الأدباء والشعراء، إذ ظهرت سمة الجماهيرية عاملا مهما في إقامة الدورات البصرية التي تميزت بطابع الحميمية في التعامل مع الشعراء بوصفهم القصيدة الأهم التي ينبغي الاحتفاء بها أولا. 
ويقول إن: غياب الرقابة التامة عن النصوص المشاركة مما ترك مسؤولية كبيرة على المشاركين في اختيار نصوصهم بحرية مسؤولة وجعلهم في مواجهة حقيقية مع جمهورهم بعيدا عن السلطة وأهدافها. 
 
هوية العراق الثقافيَّة
ويعد القاص الروائي ياسين شامل مهرجان المربد ذاكرة البصرة الثقافية، وارتبط اسمه بالشعر خصوصاً وبالثقافة عموماً، وكل مهرجان عالمي، له ميزاته، وله تحضيراته الكبيرة والكثيرة، ومهما بذلت من جهود خيرة، فإن حد الكمال لا يمكن وصوله، ولا بد أن يكون قصوراً في هذا الجانب أو في ذاك، كما أن قناعة المثقفين في الداخل والخارج، مرتبطة بحال معروفة. 
ويقول الشاعر منذر عبد الحر إن مهرجان المربد بدورته الحالية دورة الشاعر الراحل إبراهيم الخياط، هي دورة تحدٍ وإصرار على الانتصار للحياة التي تعطلت ممارساتها الثقافية بسبب وباء كورونا، وهي رسالة جمال للعالم تؤكد أن العراق مازال قادرا على العطاء الإبداعي الرصين. 
ويضيف: كما أن هذه الدورة التي شهدت جدالا طويلا حول المهرجان وطبيعته وضرورة النهوض به وتجاوز الأخطاء التي شُخصت في الدورات السابقة، وضع القائمون عليها وهم اتحاد الادباء في البصرة، ووزارة الثقافة والسياحة والآثار بمتابعة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق المركز العام أسسا جديدة من أجل إظهارها بالمستوى اللائق، لتكون فعلا جزءا مهما من هوية العراق الثقافية التي يعد مهرجان المربد الشعري من ملامحها البارزة.
 
الأهداف الاساسيَّة
ويقول القاص الروائي شوقي كريم حسن إن المربد الظاهرة الثقافية الشعرية الأهم ليس في العراق فحسب بل وفي الوطن العربي إذ يحضره كبار الشعراء آنذاك وترافق القصائد جلسات نقدية مهمة تثير جدلا معرفيا. 
ويضيف: حتى جاءت الحرب الاولى فبدأ ينحرف عن أهدافه الاساسية وتحول الى ما يشبه الاعلام المضاد من خلال ما يلقى من قصائد كانت تلقى وقوفا مع الحرب وتمجيدا للدكتاتور، وكانت ارتباطاتهم بالمهرجان ارتباطات مادية ووقوفهم عند منبر المهرجان محسوما لحساب الممدوح وأفعاله وعظمته بعد التغيير وان حاول اتحاد الادباء في المركز والبصرة تصحيح المسار لكن الامر تعثر مع امكانيات الدعم المالية التي صارت تتناقص يوما
بعد آخر. وتحدث بقوله إن: وزارة الثقافة تعد المربد إرثا يشير إلى حقبة مظلمة ويجب إلغاؤه وليس ثمة مايدعو لاستمراره في حين ظل اتحاد أدباء البصرة يناصره الاتحاد العام متمسكا بالمربد لأنه سمة مهمة من سمات الثقافة في البصرة أولا والعراق ثانيا، ويشير إلى أنه مع استمرار المربد وان كنت أحلم بان لايقال إلا ماهو محفز للمنافسات الشعرية مع ندوات يعد لها إعداد خاص وتخرج من أطر المجاملات على حساب الثقافة. ويرى الشاعر ئاوات حسن أمين المربد من الملتقيات الكبيرة والمهمة في المشهد الثقافي العراقي، ومن المهرجانات الجماهيرية اللامعة  كونه يجمع مختلف الأصوات الشعرية من جميع أطياف الشعب العراقي. 
ويقول إنه ومن خلاله وصلت صوتي للمنبر العراقي، وأيضا من خلال اروقة المهرجان تعرفت على أصوات شعرية مهمة داخل وخارج البلاد، واستفدتُ من جلساته النقدية التي تسلط الضوء كل عام على موضوع معين.  ويضيف أن المربد بالنسبة لي: حدث اجتماعي وثقافي مهم أنتظره بفارغ الصبر، ويهمني أن أكون مشاركاً حضوراً ومتابعاً لجميع أماسيه. 
 
المربد الأخضر
من جهته يقول الدكتور الناقد مثنى كاظم صادق: ليس من المماراة في شيء أن نرى المربد الحالي ضمن مناخ الحرية الشعرية والثقافية، أما حرية التعبير الشعري والنثري فجعلت المربد الحالي هوية بصرية عراقية عربية بامتياز، ذلك بمنح الحرية للقائمين عليه بتسمية دوراته ضمن أطر موضوعية معطوفة على المُسمى، بجهود حثيثة وشجاعة من اتحاد أدباء العراق المركز العام واتحاد أدباء البصرة، كيما يظهر المربد نخلة أدبية بصرية ذات أعذاق متنوعة منها ماهو شعري ومنها ماهو نثري بشتى أجناسه ومناهجه، سعياً وراء التجديد وإيماناً باندماج الآفاق كافة وجعلها أفقاً واحداً تشرق منه شمس البصرة
الثقافية الأدبية. 
 ويضيف: بهذه الصيرورة برز المربد الحالي الذي حمل اسم الشاعر إبراهيم الخياط عميد اتحاد أدباء العراق وعماده وفاءً له لما قدمه للاتحاد وأدبائه، وفي تلكم التسمية رمزية وطنية كبرى، ففي ديالى موئل الخياط، تُزرع أشجار البرتقال تحت ظلال النخيل، وها هو إبراهيم الخياط شجرة برتقال تحت نخيل البصرة الفيحاء، فطوبى للبرتقال والنخيل العراقي بهذا المربد الأخضر. 
 
الغث والسمين
ويعد مهرجان المربد بحسب الشاعر كريم جخيور من اكبر الظواهر الثقافية عريبا وعراقيا وبصريا. 
ويقول: لقد تحرر المربد وقصائده وشعراؤه من سطوة المدح والتمجيد والقصائد التعبوية، فقد كانت قصائده في السابق تمجد بجرائم الديكتاتور. 
وقد استطاع العراقيون بعد عام 2003 أن يعيدوا إلى الساحة الأدبية والثقافية العربية مهرجان المربد وصار مهرجانا شعريا خالصا بعيدا عن النظام وما يريد، يتابع جخيور.
اما من ناحية القراءات الشعرية فكل شاعر هو المسؤول عن نصه، حتى في المهرجانات القديمة التي كان يحضرها درويش وقباني. نرى هناك الغث والسمين من الشعراء الذين يرتقون المنصة. وهذه القضية معروفة في الاوساط الأدبية، وفق تعبيره. من جانبها تقول القاصة خولة جاسم الناهي إن: مهرجان المربد اصبح تقليدا ثقافيا لا يمكن الاستغناء عنه فهو فضلا عن فعالياته الأدبية يؤرخ لمراحل تطور الشعر والأدب او حتى تراجعه. 
 
الفن الفوتوغرافي والتشكيلي
وتحدث الناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم عما يشكله مهرجان المربد من أهمية كبيرة للحراك الثقافي عموما والشعري خصوصا. 
ويقول إنه: ومن خلال عديد مشاركاتي فيه لمست تطورا واضحا في الكثير من تفاصيله الإدارية والفنية فيه عبر توفير السكن الجيد للضيوف، وبرمجة الندوات النقدية والجلسات الشعرية، رغم ما يسببه بعض الضيوف من إحراج للقائمين على المهرجان، خصوصا في جانب الإصرار على القراءة. 
ويضيف: لقد اهتم المهرجان في العديد من دوراته بالفن الفوتوغرافي والتشكيلي والسينمائي، وقد عرضت في بعض دوراته مجموعة من الافلام مثل، هلا لاوين للمخرجة نادين لبكي، والخبز الحافي المأخوذ عن رواية الاديب محمد شكري، وكذلك فيلمي خيط أبيض رفيع، وأخرجت للمهرجان فيلما وثائقيا عن الشاعرة لميعة عباس عمارة، حين كانت الدورة باسمها، هذا التنوع في فعاليات المهرجان أضاف له ميزة جمالية استحسنها ضيوف المهرجان وكانت بمثابة محطات استراحة بين الجلسات الشعرية. ويقول الشاعر نبيل نعمة الجابري ليس بجديد على مدينة تحتضن جمالات الكون وتبثها مثل نسائم عطر يتنشقها القاصي والداني ويتلمس جوهر وجودها المعرفي والثقافي، أن تكون البصرة المدينة التي نافست مدارس العرب بنحوها وصرفها، ووقفت ندا جماليا لأشهر أسواق الثقافة في الماضي، وموطأ للشعراء يتبارون فيه وميناء يستقطب المشغوفين بثراء اللغة وسحرها، أن تكون نافذة الحاضر التي تتحدى الزمن، لمواجهة التغيرات السريعة التي تعصف بالعالم، هذا الإصرار وحده كفيل بقلب معادلة الحياة لصالح الشعر، وكفيل بإبراز الإنساني وتقدمه لإحلال السلام والسكينة. ويشير إلى أن المربد هذا العام، يأتي استكمالا لمشروع البصرة الرامي نشر الثقافة، والعالم بأسره يناضل لأجل الخلاص من جائحة أعادته لنقطة الصفر وفرضت هيمنتها على جوانب لم يكن بالبال أن تُمس ولو من بعيد.