محنة الأدب

ثقافة 2021/10/19
...

 إحسان العسكري 
 
مما يثير استهجان العامة من الناس حينما نلتقي بهم ونتحدث معهم في أية قضية اجتماعية او سياسية هو لماذا في مجتمعنا والمجتمعات التي تشابهه من حيث المكونات الاجتماعية لماذا ليس عندنا مشاهير في الوسط الادبي والثقافي؟، لماذا يختفي المشاهير بصورة مفاجئة وكأنهم لم يكونوا؟، رغم أنهم أحياء، في حين لايزال الجواهري على سبيل المثال لا الحصر متربعا على عرش الشهرة كشاعر استطاع ان يستوطن القلوب؟، ولماذا مازال عريان السيد خلف حاملا لراية النجومية في الشعر الشعبي العراقي؟، لو رجعنا سنتين الى الخلف لوجدنا ان الروائي احمد سعداوي مثلا كان محور حديث المثقفين عامة، بعد سنتين اين سعداوي الآن؟، للموضوع وجهٌ واضحٌ ووجه آخر مختلف، كيف؟ يختلف مشاهير السبعينيات والثمانينيات عن مشاهير هذا العصر، والسبب بسيط قد لا تتفق معي الأغلبية لأنه موجعٌ بعض الشيء. قدم الجواهري نمطاً ثابتاً من الابداع فرض فيه اسمه على الجميع وطريقة فرضه لاسمه جاءت من استمراريته طوال حياته بمحاكاة الواقع وخاطب الانسان بكل صفاته وتوجهاته، وكذلك عريان أيضاً قدم لجمهوره ما يريده من الشاعر الشعبي، وحتى احمد سعداوي قدم لنا ما نريده كقراء ولكن لم تكن الفترة التي قدم بها اعماله كافية لأن يتصدر المشهد بشكل
مطلق. 
ذات مرة كنت في لقاء إذاعي استضافني فيه الشاعر ماجد السفاح وسألني سؤالاً مهما قائلاً ما رأيك في المشهد الثقافي الآن؟ وكيف تفسر انحدار الذائقة في بعض الاوقات الزمنية؟، ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟، قلت: الادب بالمطلق ليس معنياً بما يجري قدر ما يتعلق الامر بالأدباء أنفسهم والشعراء، كيف؟ هو ان بعضهم وفي ظروف كانت متاحة له أسهم بشكل كبير في إفساد ذائقة المتلقي حتى ان بعض الشعراء جمعوا حولهم جمهوراً لا يستهان به وعمل هذا الجمهور عمل الاعلام وجعله في القمة لدرجة اننا اثناء تصفح الانترنت نجبر على ان نرى هذا وامثاله بأعمالهم عديمة القيمة أمامنا من دون ان يتوقف، هذا الطارئ على المشهد الذي طبع ثلاثة او أربعة كتب ووزعها بين جمهوره حتى أن بعضهم أوصلها لكبار المثقفين والأدباء والغريب انهم لم يصدروا صوتا ازاء ما وصلهم من تفاهات. 
إن الأدب ممتحن بجمهور قابل للطرق والسحب وأنصاف أدباء لهم شهرة واسعة، ولا يأتيني أحد ويقول انت مخطئ ففلانة وفلان مشاهير ولهم أسماؤهم ومكانتهم، أقول له (نعم هم كذلك) لكنهم عندي وعندك من هم على شاكلتنا، أرني ماذا قدموا للبقال وللعامل ولعائلة الشهيد الساكنة في أطراف مدينة ما؟ لا شيء...! 
هم ببساطة يكتبون لي ولك، ولا تقل لي انت تريدني أن أنزل لمستوى الجاهل.. ابدأ أنا اريدك ان تجبر الجاهل على ان يصل اليك فأنت أديب كبير ولكن حتى اساتذة اللغة العربية في الجامعات لا يعرفونك أنت تكتب للناقد الذي بمستواك وهو يكتب دراسته النقدية لمن هم بمستواه، كلاكما لا علاقة لكما بالجمهور الذي رفع بعض الشخصيات الطارئة واوصلها الى صدارة المشهد الادبي العراقي الذي كان ومازال مشهداً عظيماً مرعباً لغيره وهذا اقل ما يقال عنه.. نحن جميعاً وضعنا الادب في محنة وسجال مع الهامش وحرب غير متكافئة مع الجهل. 
أنت تأتيني شاعراً مدعواً لمهرجان في أطراف الناصرية ثم تقف خلف منصة الجمهور وتحدثهم بلغة لم يفهموها ما علاقتي أنا الشاعر البسيط وجمهوري من المثقفين والبسطاء، ما علاقتي بجمال القوقازيات وشعر التركيات؟ اشاهدهن كل لحظة عبر فيس بوك وغوغل، اريد ان اسمع منك ما يداعب مشاعري حدثني عن الهور وجمال (المعيدية) ارسم لي ملامح اور كي اذهب لزيارتها، جرني انت اليك عبر بغداد وجمالها، دعني ارى فيك وجهي وماضيّ وارسم عبر كلماتك مستقبلي. 
انطويت على نفسك وتركت الميدان لشاعر لا يدري ان الحال منصوب ولا يفرق بينه وبين التمييز لكنه كان بارعاً في مخاطبة الشعب الممتلئ بالجراح بما يريد ان يسمعه، وهذا الشعب غير معني بالجزم من دون اداة جزم، ولا تهمه الضمة التي منع من ظهورها الثقل، فعنده ما يثقل مشاعره ويريد ما يحاكي حياته وعيشه.
علينا أن نوقف البرامج الثقافية في القنوات الفضائية عند حدها ونفضحها ونبرز للجمهور وجه الاعلام الجاهل المأجور، وهذه النتائج امام الجميع انظروا أين وصلت الثقافة فلنفكر معاً كيف نستعيدها.