استكمال بناء الدولة

آراء 2019/03/04
...

 
محمد عبد الجبار الشبوط
 
وردت عبارة "استكمال بناء اسس الدولة الاتحادية ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي" في البرنامج الحكومي لحكومة عادل عبد المهدي بوصفها المحور الاول في هذا البرنامج. وتضمن هذا المحور خمس نقاط هي:
تفعيل الدستور نصا وروحا، وكذلك قوانين الوزارات وتعديلها او سن غيرها.
اعادة هيكلة مجلس الوزراء.
تطوير انظمة الحوكمة بشكل جذري.
تقوية اللحمة الوطنية.
التصدي لمنع استخدام الحريات والاضرار بالحق العام.
ابتداء اشير الى ان البرنامج الحكومي، وقبله المنهاج الحكومي، لم يحظ بالاهتمام الاعلامي والاكاديمي اللازم. وكان يفترض ان يكون موضوعا لحلقات نقاشية وندوات اعلامية لمناقشة فلسفته وبنوده ونواقصه وامكانيات تطبيقه وغير ذلك.
وادعو شبكة الاعلام بقيادتها الجديدة الى القيام  بهذا الامر. ذلك ان البرنامج الحكومي امر يخص الجمهور، والجمهور هو المستهدف بهذا البرنامج، وهو هدفه ومادته، ويجب ان يطلع الجمهور على البرنامج بشكل تفصيلي ويستوعبه ويشارك في تنفيذه.
في عام ٢٠١٤ كتبت ما يلي: "لا تستطيع الحكومات ان تنجح في تنفيذ برامجها الحكومية من دون تفاعل الجمهور معها ومع برنامجها. والتفاعل يعني اطلاع الجمهور على البرنامج ومعرفتهم به، وإيمانهم بانه يحقق الخير لهم، واعتقادهم بإمكانية تنفيذه، وبالتالي استعدادهم للانخراط بالنشاطات والفعاليات التي يتطلبها البرنامج. ولا يمكن ان يتم ذلك من دون ان يتم تقديم البرنامج الى الجمهور بطريقة إيجابية تحببه لهم  وتقنعهم به وتخلق عندهم الدوافع الى التفاعل معه. وهنا يأتي دور الاعلام في تقديم البرنامج الى الناس. ويتمثل الهدف الذي يسعى الاعلام الى تحقيقه بما يلي: تشجيع الجمهور على التفاعل مع برنامج الحكومة من اجل إنجازه على افضل وجه استنادا الى ان حركة الجمهور شرط اساس في عملية البناء التي يسعى اليها البرنامج، وضرورة تحريك المجتمع وتعبئة كل قواه وطاقاته في سبيل إنجاز هذا البرنامج."
وكان ذلك بمناسبة اعلان حكومة حيدر العبادي برنامجها الحكومي، وكان هذا جزءا من خطة شبكة الاعلام للتعامل مع البرنامج الحكومي انذاك. واليوم اقول الامر ذاته بمناسبة اعلان حكومة عادل  عبد المهدي لبرنامجها الحكومي.
من اللافت استخدام البرنامج الحكومي عبارة "استكمال بناء اسس الدولة". فنحن نأخذ على الاحزاب السياسية التي تصدت للحكم بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣ انها ركزت فكرها وجهدها على تقاسم السلطة اكثر من بناء الدولة. واعتبرنا ذلك من "عيوب التأسيس" الخطيرة التي كانت ارضية ظهور ممارسات عملية واعراف سياسية انحرفت عن  المسار الديمقراطي للدولة، مثل المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية والفساد المالي والاداري واعتماد مبدأ الانتماء والولاء بدل مبدأ الكفاءة في تولي المناصب، والزبائنية في تعامل السلطة مع الجمهور وغير ذلك. وادى تراكم  عيوب التأسيس وانحرافات الممارسة الى النزول الى اسفل قائمة الدول من حيث النزاهة والنجاح والخدمات والهشاشة والديمقراطية الخ.
واليوم، وبعد ١٥ سنة من هذا المسار المنحرف، فان الاشارة الى "استكمال بناء اسس الدولة" على الورق قد تؤشر الى صحوة يمكن ان تكون نافعة على صعيد اعادة بناء وتاهيل الدولة العراقية.
غير ان  بناء الدولة قرار سياسي يقوم رؤية او نظرية جامعة ومنهج علمي بالدرجة الاولى، وهو يتطلب وجود توجه مشترك لدى جميع الاحزاب والقوى المنخرطة في العملية السياسية. والمشكلة لدينا هي في القرار السياسي نفسه، فلم نلمس على المستوى العملي توجها حقيقيا لبناء الدولة طيلة السنوات الماضية. ورغم ان البرامج الانتخابية للكتل السياسية تتضمن الكثير من الادب السياسي الجميل الا ان الممارسات السياسية لهذه الكتل سرعان ما تسقط امام الطموحات الفئوية والشخصية ويتحول التنافس الانتخابي الى صراع وتسابق على المناصب والمكاسب. ويكفي مثلا ان نتذكر انه لم يتم استكمال تشكيل الحكومة الى اليوم، فما بالك باستكمال بناء الدولة؟.
غياب القرار السياسي المعبر عن ارادة مشتركة لبناء الدولة يقلل من قدرة حكومة عادل عبد المهدي على تحقيق هذا الهدف بل يجعل الحكومة اسيرة الصراعات الحزبية والارادات المتناقضة. 
ويضاف الى ذلك ان بنود بناء الدولة المذكورة لا تعكس رؤية شاملة او نظرية متكاملة لبناء الدولة،  وهذا قد يلحق الضرر بامكانية النجاح في تنفيذ هذا
 الشعار.