في اليوم العالمي للمدن التمدد العشوائي.. مشهدٌ بصريٌّ مؤلمٌ خلفته التحديات

اسرة ومجتمع 2021/10/23
...

  قاسم موزان ورشا عباس 
اعتمدت الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27 كانون الأول 2013 قرارها الذي أقرت بموجبه تعيين يوم 31 تشرين الأول من كل عام بوصفه يوماً عالمياً للمدن، لتعزيز رغبة المجتمع الدولي في نشر الحضرية على المستوى الكوني الأرضي، وظروف التحديات الجسيمة في مدن العالم، فالحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة وترييف المدن ونقل الثقافات البدائية للمشهد الحضري، ما أجبر المخططين يتسارعون في وضع حلولٍ مناسبة منها قريبة ووقتيَّة ومنها بعيدة المدى، وذلك للحفاظ على حضريَّة المدينة.
تحقيق العدالة
وقد ظهرت المرونة الحضريَّة والمدن الذكيَّة والمدن الرقميَّة والمدن الصديقة للبيئة ومدن ما بعد الحروب والمدن المستدامة والمدن الآمنة، هدفها التحول إلى نموذج مدن تمتاز بمراعاة البيئة وكفاءة استخدام الموارد وتحقيق العدالة والأمن المجتمعي للوصول الى سعادة الإنسان ورفاهيته وتحسين جودة الحياة من خلال إعادة النظر في كيفيَّة تخطيط المدن وإدارتها وتعزيز مفهوم المدينة الأفضل والحياة الأحسن.
هذا ما أشار إليه الدكتور عباس هاشم صحن في مركز التخطيط الحضري والإقليمي – جامعة بغداد.
وأضاف صحن «أما في الإطار المحلي فقد واجهت المدن العراقيَّة الصعوبات التي جعلتها تفقد جزءاً كبيراً من خصوصيتها وجمالها وأصالتها، ما أثر في حضريتها، فالحروب والأوضاع الأمنية المضطربة والإرهاب وظهور الأحياء الفقيرة والتمدد العشوائي وغياب القانون، عوامل ساعدت في تدهور المنظومة الحضرية للمدينة
العراقية».
وتابع في هذا السياق «سعى المختصون ومنهم مخططو المدن المتمثلون بملاكات مركز التخطيط الحضري والإقليمي كهيئة تدريسيَّة وطلاب وخريجين في رفد المؤسسات والوزارات ذات العلاقة بالدراسات والبحوث الشاملة والمتنوعة التي ترفع من كفاءة مدننا، فأنتجت هذه المؤسسة العريقة عشرات التصاميم لمشاريع مدن تضررت لأسباب حروب أو لتدهور اقتصاد أو لتلوث بيئي، فأعادت حضرية المدينة العراقية بمخططات أساسيَّة تستند إلى الابتكار والذكاء الصناعي وتنسجم مع التطور التكنولوجي والتقدم 
العلمي».
 
غياب المساحات الخضر
وقال المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: «انخرط العراق مع بلدان العالم التي اتفقت على وضع سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة، وحددت الأمم المتحدة عام 2030 سقفاً زمنياً لتحقيق تلك الأهداف، ومن بينها الهدف الحادي عشر الذي يدعو الى (مدن ومجتمعات محلية مستدامة) والاستدامة هنا تستدعي رسم سياسات بعيدة المدى، من شأنها تحقيق التطور المنشود وفك الاختناقات ومواجهة التحديات المناخيَّة، وضمان العيش الكريم للمجتمعات بطريقة تتكامل مع باقي الأهداف».
لافتا الى ضرورة الحديث عن «واقع المدن العراقيَّة، وما تواجهه هذه المدن من تحديات، تتمثل بالاكتظاظ السكاني، وتردي مستوى الخدمات المقدمة للمجتمعات، لا سيما في مراكز المدن، وفي مقدمتها بغداد.
وثمة ظاهرة نشأت في بطون المدن وعلى تخومها، هي التجمعات العشوائيَّة التي وصل عددها الى نحو 4 آلاف مجمع عشوائي، يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وباتت العشوائيات تمثل ضغطاً كبيراً على النسيج الاجتماعي والأمني والخدماتي، فضلاً عن ذلك فإنَّ مشهد المدينة العراقية، بات مشوهاً بصرياً، بسبب فقدان الساحات الخضر، بعد تحويلها الى أراضٍ سكنية، ما أدى الى حدوث خلل بيئي، معه لم تعد المدن بمنأى عن التغيرات المناخيَّة السلبيَّة، المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة، وتراجع مناسيب المياه، وغيرها».
وتابع الهنداوي «إزاء ذلك يجب اتخاذ جملة من الإجراءات من بينها الذهاب باتجاه إنشاء حويصلات المدن على الأطراف، بهدف امتصاص الزخم، ومثل هذا الإجراء ينبغي أنْ يُطبق ابتداءً على مبادرة (داري الحكومية) الخاصة بمعالجة أزمة السكن».
 
آثار نفسيَّة معقدة
أشارت الباحثة والمتخصصة في العلوم النفسية د.نهى نجاح عبدالله: «تعدُّ مسألة السكن غير الحضري مشكلة حقيقيَّة لكثير من الناس، ويعود ذلك لافتقار المدن الى كثير من الخدمات الأساسيَّة والضروريَّة كالمياه الصالحة للشرب، الكهرباء وشبكات الصرف الصحي، كما تتسم العديد من البيوت هناك بالهشاشة وغالباً ما تكون مهددة بالانهيار والسقوط في أي وقت وبهذا يصبح (السكن العشوائي) ويرتبط بعدة عوامل منها ما له علاقة بظروف النشأة ونوعيَّة البناء وجودته، ومنها ما يرتبط بالحالة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للفرد، ونتيجة لطبيعة السكن غير اللائق هذه تنشأ عدة مشكلات وأمراض نفسيَّة معقدة تترك بصماتها سريعاً على واقع ملتبس له تأثيراته وأبعاد عدة على ساكنيه، كالشعور بالدونية وبأنهم أقل بكثير من الآخرين من الأقارب والأصدقاء أو ممن يشاهدونه عبر شاشات التلفاز من سكان المدن الحضرية، فضلاً عن الإحساس بالحرمان والمعاناة المستمرة جراء الافتقار الى الخدمات الصحية والاقتصادية، التي من شأنها أنْ تؤدي الى الشعور المستمر بالعوز وانعدام الثقة بالنفس وبالمستقبل المجهول الذي ينظرون إليه بترقب وخوف».
 
أزمة سكن
أوضحت معاون طبي في صحة كركوك منتهى عباس أنَّ «المدن غير الحضارية التي تتشكل نتيجة الحروب والاوبئة والفيضانات وغيرها تفرز تجمعات سكانية غير نظامية (عشوائيات) تفتقر الى الاحتياجات الانسانية منها الخدمات الصحية والتعليمية وغياب العيش الآمن، وعلى رغم من الجهود والمبادرات المبذولة في الحد من توسعها إلا أنها تبقى تحتاج الى وقفات حكوميَّة جادة تعمل على تنظيم الحياة بإنشاء تجمعات سكنية لائقة بالكينونة الإنسانية وهذا ما لوحظ في الفترة الاخيرة عندما بادرت أمانة بغداد بإزالة بعض العشوائيات من الشوارع وجعل حركة الأشخاص والسيارات مرنة بخلاف ما كان
سابقاً».
واضافت عباس «مسألة تواجد العشوائيات الى جانب مكبات النفايات التي تسبب الأمراض والاوبئة خصوصا في عتمة تفشي جائحة كورونا ولكن لا ننسى هناك أزمة حادة في السكن ما دفع الكثير من المواطنين الى العيش في تلك المناطق مضطراً».