لشدة رعونة النظام البعثي المباد، فإنه لم يستطع الحفاظ على الانجاز المتحقق للعراق في حقبة السبعينيات حينما كرم من قبل اليونسكو بانه خال من الأمية، فقاد بعنجهيته المعهودة حملة لتجهيل الامة العراقية من خلال زج رجاله في حروب استنزافية حرقت الاخضر واليابس ووضعت البلاد على كف عفريت، سائرا به بدءا من التسعينيات الى {نحو الامية». نعم لا ننكر ان الحكومة انشغلت كثيرا بمحاربة الارهاب منذ سقوط الصنم وقامت في عام 2012 بخطوات لمكافحة هذه المشكلة الاجتماعية.
بيد ان الاحداث التي تلت دخول «داعش» الارهابي الى بعض المحافظات أوقفت هذا المسعى منذ العام 2014 ولغاية كتابة هذه السطور.
من خلال استقراء مجمل اوضاعنا، بما فيها السياسية والدينية، يمكن ان نشخص ان للجهل دورا كبيرا بوقوعنا في وادي الازمات الذي ما ان نهم بالتسلق والخروج منه حتى ننزلق ونعود الى قعره مجددا، فلولاه لما وجد «داعش» الارهابي حاضنة مهيئة في المناطق الغربية، اذ كيف يمكن لعاقل الايمان بافكار وفتاوي كلها دم وذبح وفساد، والحال نفسه في مناطق مختلفة من البلاد، فلا تكاد تجد صاحب فكرة منحرفة او زعيم سياسي يجيد التمثيل حتى ترى ان هناك زرافات من الناس تهتف خلفه وجلهم ممن لا يفرق بين الناقة والجمل.
المسألة الاخرى التي تكشفت أمامي من خلال تأملي في الاحداث التي مرت ونمر بها، هي ان الامية لا تقتصر على عدم القدرة على القراءة فقط ، وإنما في عدم الاطلاع ومتابعة الكثير من القضايا الراهنة والمصيرية التي تمس حياة الناس.
فاغلب الاكاديميين وطلبة الجامعات اقتصروا على قراءة كتب المناهج الدراسية التي سينسونها بمجرد لبس روب التخرج، ورجل الدين دفن نفسه في كتب الفقه والحلال الحرام ظنا منه ان الدين هذا فقط وليس هو طريقة للحياة، بينما الطامة الكبرى تجلت في أمية (المثقف) الذي طمر نفسه بين المصطلحات ومكابدة لوعات نفسه العاشقة والكتابة
عنها، لاهيا عن ان هناك حربا تخوضها البلاد ودماء تسيل في الجبهات، حتى اننا لم نر مثقفا واحدا حذا كما حذا جيفارة الذي عدوه ايقونة لهم وذهب لقتال الارهاب البغيض.
وفي الاخير وجدت اجابة شافية للسؤال الذي طالما قض مضجعي، ومفاده لماذا تراجع الشعور بالوطنية لدى شريحة كبيرة من المواطنين الى الحد الذي نراه ؟، هذه الاجابة وردت على لسان هتلر، نعم هتلر مفجر الحرب العالمية الثانية، هذا الرجل الذي درس احوال قومه واستطاع النهوض بهم والقيام بثورة صناعية كبرى كانت ستهيمن على العالم لولا غروره الذي دمر كل
انجازاته.
اختصر هتلر مشكلة الوطنية بقوله «الفقر هو صنو الجهل وصنو المرض ومتى ما اجتمع الثلاثة كفر الشعب بالدولة ومات في النفوس كل شعور
وطني».
اذن الجهل ركيزة اساسية واحد الاضلاع الثلاثة المسؤولة عن جميع المشاكل بل انه أس لها
جميعا.