من خلف زجاج الفكرة؟

ثقافة 2021/10/30
...

ابتهال بليبل
أتساءل -بكثير من الحيادية- هل يمكن أن نتحدث عن النظارات الشمسية التي ترتديها المرأة عادة بعيدا عن كونها مجرد إكسسوار كمالي ضمن مقتنياتها الكثيرة والضرورية التي تهجع   في حقيبة يدها دائما؟ وأفكّر-بكثير من الحيادية أيضا- في كم كبير من النظارات الشمسية التي اقتنيتها خلال حياتي وكيف لو قمت بجمعها في مكان ما أمامي لأراها كل يوم ...!! فكل نظّارة كانت ترتبط بمرحلة ما من حياتي وربما تؤرخ لكثير من المشاهد واللقاءات واللحظات التي عشتها ورأيتها بعيني من خلف زجاجها...!! النظارات تلك بعضها فقدته في أماكن أجهلها وأكيد أني رميت بعضها في سلال القمامة، فهل يمكن أن أتخيل ارشيفا من النظارات التي تشكّل ما يشبه مذكرات الكتّاب التي يحرصون على طبعها وتنقيحها ونشرها؟
فما نوع الثقافة المتعلّقة بالنظارة الشمسية وهل نبالغ لو ربطنا وجودها بالكثير من المشاعر والعواطف والافكار التي تتعلق  بمدى الرؤية وما ينتج عن انطباعنا عن الصورة التي نراها من خلف  ظلها الشهي الذي يجمّلُ الواقع .! 
النظارة الشمسية كما أراها حلقة وصل ما بين جاذبية وجمالية الوجه الذي يرتديها –كما يظن طبعا من يلجأ إليها- وما بين جاذبية المشاهد التي يراها من خلالها. ولكن تلك العلاقة أو حلقة الوصل قد تنفصل حينما ندرك أن الوجه الذي يرتدي نظارة شمسية قد يكون مجهولا غامضا حينما يخفي أحد أهم عوامل التعرّف وهي العيون التي تنطق بلغة وايحاءات ذات طبيعة عالمية.
إنّ النظارات الشمسية هنا تجعلنا في حالة من عدم القدرة على معرفة ما بداخل المرأة التي ترتديها، لأننا عادة عندما تحدث مع المقابل نركز انظارنا تجاه عيونه في محاولة لقراءة ما بداخله. 
وكانت إحدى الدراسات الحديثة قد أظهرت أن الأشخاص الذين يرتدون النظارات الشمسية يتصرفون بشكل أناني أكثر من أولئك الذين لا يرتدونها، ويقول الباحثون إن تلك النتيجة تشير إلى أن الظلال تخدعنا في الشعور بأننا مجهولون.
لذا نشعر بالراحة حينما ندرك أن جدارا من الحماية (النظارات) يصدّ عنها محاولات القراءة والاكتشاف والانتهاك. 
إنّ “الذات الأنثوية غير المرئية” ترتاح جدا وتطمئن لحظة ارتداء النظارات الشمسية التي تدافع بها عن نفسها بطريقة سهلة وجمالية وأنيقة.
وكان نجوم هوليوود في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي يرتدون هذه النظارات لابعاد أية احتمالات من تعرضهم لمضايقات الجمهور، الجمهور الذين يمثّل هنا شخصية الرقيب. التي هي مصدر للمعلومات، بمعنى أن العيون في هذا السياق هي الأساس، لذا فإن ذات الأنثى –هنا- هي من تُدير شخصية الرقيب مسيطرة عليه لا العكس. فالنظارات الشمسية تعمل على اخفاء العيون لأسباب تلجأ اليها النساء كالظهور بلا مكياج، آثار المرض، وغيرها فتكون الرقابة هنا لصالح المرأة فقط.
ولكن. ماذا يحدث عندما تُبعد ذات المرأة عن الأنظار؟ عندما لا نحاول فك التشابك الحاصل بين العيون والذات لأجل فهم سلوك معين، فإننا عادة ما نفترض أن ذات الأنثى محصورة فقط في عيونها –كشف عيونها- أي أنها ذات مرئية ثابتة. وهذا يعني ألاّ وجود للغموض وأن الحصول على معلومات عملية بالضرورة متوقعة وسهلة، ولكن عندما ترتدي المرأة النظارات الشمسية وإن كانت صفاتها الذاتية معروفة في السابق، فإنها تتحول لغير مرئية بعد هذا الفعل. 
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن اخفاء العيون بالنظارات الشمسية مهمته تنحصر بمعيارات جمالية وصحية لأن العيون غير المكشوفة هي في الواقع هروب من الرقيب -أقصد- الأنظار.